كتب

تمثل الزراعة في الأردن حالة اقتصادية اجتماعية تنمو ية وتاريخية ثقافية، فالهو ية الأردنية
تشكلت أساسا حول الزراعة منذ آلاف السنين، وتعود الزراعة اليوم في ظل تحديات
جائحة كوفيد 19 وما كشفت عنه من متواليات وتداعيات خيارا استراتيجيا لأجل
الاعتماد على الذات وإعادة ترتيب الاستجابات والأولو يات لتكون الصحة والغذاء
في رأسها. وللزراعة أهمية خاصة كونها تتقاطع مع جميع السياسات والبرامج الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية، فهي متصلة بالغذاء والدواء والبيئة واللباس والبناء والأثاث،
كما تتصل بالتنظيم الاجتماعي والسياسي للمدن والبلدات والنقابات والأسواق والأعمال،
بلغ الناتج المحلي الزراعي بالاسعار الجار ية في الفترة 2015 – 2018 حوالي 1532 مليون
دينار، أي 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ معدل قيمة الصادرات الزراعية
في الفترة نفسه 833 مليون دينار، أي 16.5 في المائة من إجمالي الصادرات، ويحقق
الأردن اكتفاء ذاتيا بنسبة كاملة أو تقترب من ذلك في الزيتون والزيت، الخضار والفواكه
وبيض المائدة ولحوم الدواجن. ويشغل قطاع الزراعة حوالي 1.9 في المائة من إجمالي
عدد الأردنيين المشتغلين، وهي وإن كانت نسبة أقل مما يفترض؛ فإن الزراعة قطاع واعد
بالنهضة الاقتصادية والتنمو ية، ويمكن مضاعفة مساهمته في الناتج المحلي وفي التشغيل.

يعتبر الدكتور عاكف الزعبي من أفضل إن لم يكن أفضل من يقدم دراسة علمية
لأجل التأسيس لمشروع وطني للنهوض بقطاع الزراعة فهو مهندس زراعي وأكاديمي
متخصص بالزراعة والاقتصاد، كما عمل في وزارة الزراعة لمدة 36 سنة اختتمت
بتوليه وزارة الزراعة لمرتين ورئيسا للجنة الزراعة والمياه في مجلس الأعيان، وهو قبل
ذلك فلاح أصيل يعشق الزراعة بالنظر إليها مكونا تاريخيا ووطنيا يؤسس ايضا لمشروع
سياسي وقاعدة للتماسك الاجتماعي والحكم المحلي والتشكلات الاجتماعية والتعاونية
في المحافظات والبوادي. ومن يقرأ كتابه الذي ينشره مركز الدراسات الاستراتيجية
عن النهوض بالزراعة يلاحظ أنه يفكر أيضا في مشروع وطني شامل لأجل التنمية
والتماسك الاجتماعي وبناء الهو ية المشتركة، إذ ليس أكثر من المكان يؤسس للمواطنة،
وليس أفضل من الزراعة ينشئ الانتماء للوطن والمشاركة العامة والاجتماعية.

يتكون هذا الكتاب من تسعة فصول يناقش فيها المؤلف مشروع النهضة الزراعية من
جوانبها المتعددة؛ مثل الموارد الوطنية والزراعية المتاحة، والماء والأرض والغابات
والمراعي، والزراعة النباتية والحيوانية، والصناعات الغذائية، وقضايا التمو يل والبحث
العلمي الزراعي والإرشاد، والتحديات التي يواجهها قطاع الزراعة، والسياسات الزراعية
العامة وفي مجالات الموارد والتسو يق والإنتاج، والتخطيط الاستراتيجي لقطاع الزراعة.
وبالطبع فإن القارئ سوف يكتشف التحديات والمشكلات القائمة في قطاع الزراعة
فلا يخفي المؤلف ذلك، ولا يمكن بناء خطة استراتيجية من غير إدراك واعي
ومسؤول لكثير من الأزمات في الموارد والماء والتقنية والتمو يل كذلك سياسات
وأولو يات الإنفاق والتخطيط والعمران والتي ألحقت ضررا بالغا بقطاع الزراعة
ومن ثم الاقتصاد والتشغيل، وندرك أيضا التحولات الاجتماعية والاقتصادية
التي أظلت بلادنا ومجتمعاتنا وعصفت بالاقتصاد والانتاج الزراعي كما القرى
والبلدات والأر ياف والبوادي التي كانت تنشئ حياتها ومواردها حول الزراعة.
يقدم الدكتور الزعبي في هذا الكتاب تصورات علمية وواقعية للنهوض بالقطاع الزراعي
ليكون متكاملا مع القطاعات الأخرى ومنسجما مع سياق النهضة الشاملة في التعليم
والصحة والاستثمار والتكامل الاجتماعي، و يأمل المركز من خلال هذا الكتاب
أن يخدم العاملين في مجال الزراعة ومخططي ومصممي السياسات والبرامج وكذلك
الأكاديميين والمثقفين وجميع المهتمين إيمانا من المركز بأن النهضة ليست مشاعر
عاطفية جياشة و لكنها مشروعات علمية وفكر ية عميقة قد وأعمال دوؤبة وربما
تكون صعبة ومملة، لكن ذلك هو الخيار الوحيد الناجع لأجل النهضة والإصلاح.