كتب

«وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع امه علي
امه سيفا، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد… » سفر اشعياء
تتقدم الإنسانية في مسارها العام مدفوعة بالبقاء وتحسين البقاء والبحث والتأمل،
وفي ذلك كانت على الدوام تن 􀘢شئ الموارد والأعمال الجديدة وحولها القيم والمهارات والمعارف
التي تحسن بها حياتها وتحافظ على تقدمها وتن 􀘢شئ موارد وأعمال جديدة، هكذا فالتقدم
الإنساني مزيج من الموارد والإبداع والقيم، وكانت على مدى تاريخها تتقدم بمدى ما تن 􀘢شئ
نظامها الاجتماعي والثقافي القائم على السام والتسامح والتضامن والتعاون، وكانت أيضا
تفشل عندما تسود الكراهية، فتعصف بالمجتمعات الحروب والعصبيات والعنصرية،
ويقتل الناس بعضهم بعضا، وتختفي دول وحضارات، وتدمر المدن والقرى والمكتبات
والمدارس والمصانع والمزارع، وتترك أعداد كبيرة من الناس أوطانها.
إن الازدهار والتقدم يستدل عليهما اليوم وفي كل وقت وأيضا بمؤشرات السام والأمان
والثقة والتعاون والتواصل الاجتماعي والتسامح والاعتدال، فهي القيم المنشئة للإبداع
والتنوع والاستقرار، كما تجتذب الكفاءات والأعمال والتجارة والسياحة والاستثمار،
وتشجع الأسواق والمصالح ونمو المعرفة والأعمال، وتنخفض الأعباء الأمنية والإدارية. وفي
المقابل يستدل على الفشل بالكراهية والتعصب، فذلك يؤدي إلى هجرة الكفاءات وعزوف
المستثمرين والسياح، وتزيد الكلفة على الأسواق والمنتجات والسلع، وتقلّ الفرص.
يقسم التاريخ الحضاري إلى ثاث موجات رئيسية: الزراعة والصناعة والمعلوماتية، وفي
هذه الموجات الثلاث كان الإنسان يحاول أن يطوع الفرص والإبداع لتحسين حياته وتحقيق
الرفاه والازدهار، فنشأت الاختراعات والإبداعات وتطورت وتراكمت. وكانت تفسد هذه
المنجزات الحروب والأوبئة والصراعات الأهلية، والعبودية والرق والسخرة وانتهاك حقوق
الإنسان والتعذيب وغياب العدل والتضامن والتنوع وعجز الناس عن العيش معا.
قبل الزراعة كان الإنسان يعتمد في حياته وبقائه على الصيد وجمع الثمار بمعنى القدرة
على البقاء حيا، وفي تأمله العميق للحياة ومعناها أنشأ اللغة والتواصل الاجتماعي، وكانت
الساحات العامة التي بدأت مكانا لدفن الموتى، ثم صارت ساحات عامة تحظى بالقدسية
والاحترام، ويلتقي فيها الناس موسميا للاحتفال والبهجة وتنظيم الأعمال وتخزين الطعام،
وأنشأ الكهوف التي كان يلجأ إليها للتأمل والعبادة )وليس الإقامة فيها( وتؤشر الرسوم على
جدران الكهوف في جمالها ودقتها على إدراك الإنسان وشعوره بالمعنى العميق للحياة وما
يجب أن تكون عليه.
وأسست الوفرة الناشئة عن تربية الموا 􀘡شي والزراعة والصناعات الغذائية )الثورة
الزراعية( للقرى المستقرة ثم المدن، وصار العدل هو المعنى الأسا 􀘟سي المنظم للحياة
والمجتمعات، وتشكلت المؤسسات السياسية والقضائية، وصارت القيادة مستمدة من القوة والشجاعة والكرم، وصار معنى الإنسان أو قيمته بخدمة المجتمع وحماية الناس
وفي موجة الصناعة استقل العلم عن الحكام والأرستقراطيين والمؤسسات الدينية،
وصار جزءا من الأسواق والأعمال، وصار المعنى مستمدا من العمل، وصار الإنسان
يتقدم بما يحصل عليه من مهارات ومعرفة أو ما يضيف إلى حياة الناس ومواردهم،
وصارت الدول والمجتمعات تدور حول «العمل » بما هو قيمة مركزية للحياة ومعنى أسا 􀘟سي
للإنسان.
وفي البحث والتأمل تشكلت المعارف والأفكار؛ بما هي تصورات الإنسان عن ذاته وعن
الحياة والكون والموت والمصير بعد الموت، فنشأت الفلسفة؛ بما هي السؤال لأجل إدراك
حقائق الأشياء، وتقدم الدين بما هو إجابات مقترحة لما عجزت الفلسفة عن إجابته،
وتشكل الاجتماع الإنساني بما هو استيعاب تطبيقي وحياتي للسؤال والجواب؛ أو ما أنتجته
الفلسفة والأديان، وتكرست اللغة كوعاء الأفكار والمعرفة وترميزها وتنظيمها، والعلم بما
هو إدراك الأشياء كما تفهمها الحواس، ثم الفنون والآداب بما هي التعبير المحسوس عن
الأفكار والمشاعر والبحث عن الجمال، وكان التاريخ بما هو تسجيل التجارب الانسانية
على النحو الذي ينظم الأفكار فيما يحب الإنسان أو يريد أو يجب أن يكون عليه، وما
يجب أن يفعله ليكون ما يحب.
ومنحت الأفكار والمعارف بما هي محاولة الارتقاء بالذات الإنسان فعاليته الاجتماعية
والروحية، ويفترض تبعا لذلك أن يصيبه الخواء عندما يحدث الانفصال بين الواقع
وتصوراته عن الواقع، أو هو يرقى بذاته وموارده بقدر ما تقترب تصوراته التي أنشأها
من الواقع. وعندما تغيرت العلاقة بين الموارد والأفكار، بفعل الأهواء والمصالح والخوف
والشعور بالندرة ونقص المعرفة نشأت أيضا اتجاهات وحالات العنف والتعصب والشعور
بالتميز والاستعلاء
وفي عصر المعلوماتية أو ما بعد الصناعة )الحوسبة والتشبيك والتصغير والهندسة
الحيوية وانترنت الأشياء والحوسبة السحابية والروبتة والبرمجة الإدراكية و الطابعات
ثلاثية الأبعاد، ..( بدت العولمة وكأنها وعد بأخوة إنسانية تتجاوز كل محن الما 􀘹ضي وآلامه،
وتشكلت فرص قوية لتحقيق المساواة والثقة والإتقان، لكن أيضا صعدت الكراهية
والهويات والحروب الأهلية، وضعفت المجتمعات والمؤسسات الإرشادية.
إن الأمم المتقدمة تدرك اليوم أن الأخوة الإنسانية تمثل هدفا ومقصدا لتكون قادرة
على العيش معا في سام في ظل الاختاف والتنوع، وفي ذلك فإن النجاح الفردي والمؤس 􀘠سي
اليوم يعتمد على تكريس قيم الأخوة الإنسانية وتحويلها إلى مهارات قابلة للتعلم والتدريب
والتطبيق، .. وهذه هي الفكرة الأساسية لهذا الكتاب.