أخبار الجامعة الأردنية (أ ج أ) هبة الكايد – أطلق مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية اليوم كتابا بعنوان “الجهاديون الأردنيون وانهيار دولة داعش ديناميكيات التطرف والإرهاب وسياسات المكافحة”، ألّفه كلٌّ من الدكتور زيد عيادات والدكتور محمد أبو رمان.
وشهد حفل الإطلاق الذي حضره السفير النرويجي في عمان “إيسبين ليندباك” وجمع غفير من الأكاديميين والأدباء والسياسيين والإعلاميين والمهتمين وطلبة دراسات عليا من مختلف التخصصات، ندوة علمية حوارية أدارها الإعلامي محمد الخالدي؛ دار خلالها نقاش موسّع حول فصول الكتاب المختلفة وأبرز ما جاء فيه من موضوعات ونتائج ومؤشرات.
وقال نائب رئيس الجامعة للشؤون الدولية وشؤون الاعتماد والجودة ومدير المركز الدكتور زيد عيادات إنّ الكتاب يطرح جملة من الأسئلة والتساؤلات المُتعلّقة بمصير “السلفية الجهادية” الأردنية بعد انهيار الخلافة؛ سواء على صعيد التكيّف الأيديولوجي وتبرير ما حدث وتأثيره أم على الصعيدين الحركي والتنظيمي، أم على صعيد السمات المجتمعية والثقافية.
وأضاف عيادات أن الكتاب يعجّ بالأرقام والمؤشّرات والنتائج والتوصيات، ولعلّ القيمة الحقيقية له أنّه دراسة ميدانية استقصائية، تجمع ما بين تجميع البيانات، التي وصفها بكونها عملية مرهقة لعدم تعاون المؤسسات الرسمية بصورة مطلقة، والمقابلات المكثّفة مع أبناء التّيّار والمحيطين بهم، وكذلك مع المعنيين بالموضوع، وهو فضلًا عن قيمتيه العلمية والعملية، يضيف أيضاً إلى “قاعدة البيانات” أرقامًا ومؤشّرات جديدة يمكن أن يستفيد منها الباحثون والمتخصّصون.
من جهته، أكّد أبو رمان أنه والباحث عيادات تمكّنا من خلال البحث الاستقصائي المطول الذي استمر ما يزيد على عام من الوصول إلى معلومات وبيانات لما يقارب 330 حالة ممن تلقوا أحكامًا في محكمة أمن الدولة، ضمن قضايا الإرهاب والتطرّف، وقاما بتحليل المعلومات والبيانات المتعلقة بالسنّ والحالة الاجتماعية والعمل والمستوى التعليمي والخلفية الاجتماعية والجغرافية وغيرها من المؤشّرات، لاستنطاق السمات والخصائص المجتمعية ومقارنتها بما كانا قد سجلاه في الكتاب السابق، الذي صدر قبل أربعة أعوام، وتناول الفترة 2011-2017، وحلّلا حينها ما يقارب 800 حالة ضمن التيار، وبذلك فقد بات لديهما قاعدة بيانات غير مسبوقة، تتوفّر على كمٍّ كبير من البيانات، تصل إلى قرابة 1100 حالة.
فيما عبّر السفير النرويجي في كلمة له عن فخر بلاده بالعمل مع الأردن في محاربة التطرف بكافّة أشكاله، مُعربًا عن أمله بأن يمثل هذا الكتاب بكل ما فيه، قاعدة بيانات مهمة وشاملة لفهم كثير من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع، فضلا عن إجابته على كثير من الأسئلة المتعلقة بهذه الظواهر من جهة ومنع انتشارها من جهة أخرى.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه من أبرز نتائج الكتاب ما يتعلّق بالانقسامات داخل التنظيم؛ إذ كانت سابقًا تتمحور بين تنظيم داعش وشبكة القاعدة، وكان الجهاديون الأردنيون منقسمين بينهما، بينما اليوم برز اتجاه ثالث على خلفية الخلافات والشقاقات بين جبهة تحرير الشام و”القاعدة”، حيث نجد تيّارًا يؤيد “القاعدة”، وهم السلفية الجهادية التقليدية، وما زال منظّر التيار الجهادي أبو محمد المقدسي ضمنه، ومعه نسبة كبيرة من الجهاديين التقليديين من الأردن، بينما النسبة الكبرى والقضايا الجديدة وجيل الشباب أغلبهم متأثرون بـ”داعش” وفكرها، حتى بعد انهيار دولة التنظيم.
ولم يجد الكاتبان أي مراجعات فكرية عميقة ومعلنة في أوساط التيار الداعشي الأردني، الأمر الذي فسّره أحد الشباب القياديين (السابقين) في التيار بطبيعة اللحظة التاريخية التي تضع التيار تحت ضغوط شديدة للبقاء والاستمرار، الأمر الذي لا يتيح المجال لعقلٍ باردٍ في المراجعة والنقد! ومع ذلك، وقفا لحالات عديدة مهمّة، قرّر عديدٌ من الشباب التراجع عن فكر التيار، بعد أعوام من السجن والاعتقال، وانطلقوا في مساراتٍ جديدة، وهي أمورٌ ارتبطت بقناعاتٍ شخصيةٍ، لا نتيجة برامج “مكافحة الإرهاب والتطرّف”، التي تُطبّق داخل السجون.
كما برز في الكتاب مؤشر مهم تمثل بأنّ أغلب حالات محكمة أمن الدولة المرتبطة بالجهادية الأردنية كانت ذات طابع فردي، والنسبة الغالبة منها تُعرف بـ”قضايا التّرويج”، وتضم هذه القضايا، على الأغلب، نسبة كبيرة من الشباب، ممن لم يصلوا إلى التأثر العميق والصلب بأفكار التنظيم، وحوكموا على خلفية تعاطفٍ من خلال منصّات التواصل الاجتماعي أو العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء، كما تمثّل أحد أبرز المؤشّرات الخطيرة الذي ظهر عبر التحليل الإحصائي للقضايا في تكريس النمط العائلي في قضايا الجهاديين، أي وجود تأثير ملحوظ لصلات القرابة (خاصّة ظاهرة الأشقاء والشقيقات الجهاديين)، والبعد الجيلي في العائلة (الأب الابن والحفيد وهكذا)، ومنها أيضًا الحضور المُرعب للأحداث (ما دون الـ18 عامًا) ضمن هذه القضايا، إذ أصبح العدد لافتًا وكبيرًا، بل إنّ هناك تنظيمات أصبح يطلق عليها تنظيمات الأحداث.
ومن بين المؤشّرات التي وجدها الباحثان أيضًا، الحضور الكثيف لطلاب الجامعات في القضايا، وبصورة خاصة طلاب الهندسة، وطبقة المُتعلّمين والنسبة المحدودة والضئيلة لتأثير عامل البطالة، مع وجود مؤشّرات على الحضور الواضح لشريحتي المُعلّمين وأئمة المساجد، أما اجتماعيًّا وجغرافيًّا، فقد بدا أن الحضور في مخيمات اللاجئين (الفلسطينيين) والمناطق المحيطة بها أكثر وضوحًا من المرحلة السابقة.