أوراق السياساتمجالاتنا

يعد إنشاء الهيئات المستقلة أمراً حديث العهد نسبياً للاضطلاع في أداء مهمات ذات طبيعة رقابية أو تنفيذية بفاعلية أكبر من الحكومة التقليدية. وقد بدأ اهتمام الدول النامية بإنشاء ما يسمى بــِ (المشروعات العامة او المؤسسات المستقلة) في الستينات من القرن الماضي بوصفها أداة في عملية التنمية؛ بهدف تسريع عمليات إعادة البناء.  وميزة هذه الهيئات أنها مستقلة بشكل شبه تام عن السلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي لم يطبق في دول أخرى والتي كانت الهيئات تنشأ فيها تخضع للسلطات التنفيذية بشكل آو بآخر، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، ويؤدي إنشاء الهيئات المستقلة الى ضمان حياد عمل الأجهزة التنفيذية في الدولة في عملها، وابتعادها عن الضغوط السياسية التي تمارس عليها من سلطات الدولة الأخرى.

وانتهجت المملكة سياسة إنشاء الوحدات الحكومية المستقلة منذ إنشائها لتسريع عملية التنمية الاقتصادية، وتنظيم وحماية مصالح عدد من القطاعات الحيوية والرقابة عليها، إضافة إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة. وتسارع إنشاء هذه الهيئات منذ مطلع القرن الحالي ليصل عددها إلى حوالي 59 مؤسسة تعنى بتقديم الخدمات في شتى المجالات والقطاعات المختلفة وتنظيمها. إلا أن العديد من الخبراء الاقتصاديين والمحللين يتسألون عن جدوى وجود عدد كبير من الوحدات الحكومية المستقلة في ظل ارتفاع حجم الاختلالات المالية في الموازنة العامة للدولة، وعن قدرة هذه المؤسسات التخفيف من أعباء البيروقراطية الحكومية وتجاوزها. وبخاصة في ظل التغيرات في سياسات الاقتصاد الكلي المتبعة من الحكومة العامة للتقليل من الاختلالات الهيكلية الداخلية والخارجية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، والعبور بالسياسة المالية من مظلة الاعتماد على المساعدات الخارجية إلى سياسة الاعتماد على الذات.

وساهمت تطورات “الربيع العربي” والصدمات الخارجية في حثّ الحكومة العامة الخطى نحو الإصلاح الاقتصادي المبني على خطط إصلاح مدعومة من المؤسسات الإقليمية والدولية. وبالرغم من حجم السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة التي اعتمدت -بشكل مباشر- على ترشيد الإنفاق الحكومي؛ وإلغاء الدعم السلعي، وتحرير الأسعار. إضافة إلى زيادة حصيلة الإيرادات الضريبية من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم وإلغاء الإعفاءات الممنوحة على العديد من السلع والخدمات، إلا أن التحدي المتمثل في استمرارية عجز الموازنة العامة للحكومة ما زال قائماً.

ويلاحظ بأن زخم الإصلاحات المالية الحكومية قد استمر على مستوى الحكومة المركزية، إلا أن إصلاح الهيكل العام للمؤسسات المستقلة، وعلى الرغم من تعاقب الحكومات، ما زال يسير ببطء شديد لا يتناسب مع التزام الحكومة العامة بإعادة هيكلة الجهاز الحكومي للحد من تضخمه وزيادة فاعلية توجيه موارد الدولة. وبالرغم من قيام الحكومة بدمج عدد محدود من المؤسسات العامة مع الوزارات ذات العلاقة، وتقديم قانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية للعام 2014، الذي هدف إلى إلغاء الازدواجية والتداخل في المهمات والصلاحيات التي تتولاها بعض المؤسسات والهيئات المتشابهة، وتقليص عددها من خلال دمج بعضها أو إلغائها لترشيد الإنفاق المالي، إلا أن عدد هذه الوحدات ما زال كبيراً مقارنة بالطموحات الحكومية التي هدفت إلى جعل الجهاز الحكومي أكثر رشاقة وفاعلية وبما يتناسب مع غايات إنشاء هذه المؤسسات للإشراف على عدد من القطاعات الاقتصادية والمالية، وتنظيم الأسواق المحدثة لتعظيم المنفعة الاقتصادية.