هذه الوثيقة النادرة، من أجل فهمها ومناقشتها، لا بد من النظر إليها في سياقها التاريخي والسياسي، الذي جاء بعد عقود قليلة من التحرر من الاستعمار: عالمياً وعربياً، وفي مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد تلك الفترة الزمنية التي شهدت سجالاً فكرياً وصراعاً سياسياً حول طبيعة دولة ما بعد الاستعمار، وما هي الطريق أو شكل الدولة الذي يمكن أن يحقق عملية التنمية في دول العالم الثالث. عربياً؛ شكّلت هذه المرحلة صعوداً كبيراً للتيارات والقوى القومية بمسمياتها المختلفة، التي جاء أغلب قادتها السياسيين من العسكر، ومن خلال الانقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة ، ولكن بصرف النظر عن ذلك، كانت فكرة الوحدة العربية مسيطرة على وجدان شعوب المنطقة.
ولم يكن المدّ القومي وحيداً بالساحة، بل كان هناك صعود للفكر الشيوعي أو الماركسي في مرحلة التحرر الوطني، ولكن ذلك جاء أيضاً في سياق الحرب الباردة بين الفكر الشيوعي/ الاشتراكي، الذي يركز على الصراع الطبقي على حساب البُعد القومي الذي كان بقوة الاتحاد السوفييتي السابق وبين الفكر الرأسمالي، الذي يركز على الرأسمالية بوصفها وسيلة للتنمية والتحديث وعلى الديمقراطية باعتبارها النظام السياسي الأمثل والمنبثقة من التجربة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
أما أردنياً؛ فقد جاءت هذه الوثيقة بعد عشر سنوات من الوحدة بين الضفتين، وأربع سنوات من تعريب الجيش العربي الأردني، وثلاثة سنوات من إلغاء المعاهدة مع بريطانيا، وبداية الجهود الوطنية في بناء الدولة الحديثة
.إذاً، هذه الوثيقة تشكل الأساس الفكري والأخلاقي والقيمي والسياسي للرؤية الهاشمية للدولة العربية الحديثة المبنية على أسس ومبادئ النهضة العربية، وبذلك فهو يقدم أنموذجاً عربياً حديثاً لها.