كتب

منذ قرابة ربع قرن، دخل الأردن في مواجهة مع التنظيمات الراديكالية التي تعتمد في سلوكها نهجاً من التطرف العنيف، والتي تبنت منذ منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي مرجعية أيديولوجية وحركية تنتمي إلى الفضاء السلفي الجهادي، ومنذ العام 1995 شهد الأردن عشرات المحاولات المحدودة لاستخدام العنف وتنفيذ عمليات صغيرة من قبل أبناء هذا التيار، الذين نجحوا في العام 2005 بتخطيط من «قاعدة الزرقاوي » في العراق بتنفيذ هجوم كبير بتفجير ثلاثة فنادق معروفة في العاصمة ع نّام، أدت إلى مقتل العشرات وإصابة مئات الجرحى. وخلال تلك الفترة السابقة نفسها، قام أفراد مرتبطون بالتيار السلفي الجهادي بمحاولات عديدة لتنفيذ هجمات، كان أخطرها محاولة تفجير مبنى دائرة المخابرات العامة العام 2004 ، عبر تجهيز انتحاريين ومفخخات، لكن تمّ اكتشاف العملية من قبل الأجهزة الأمنيّة قبل تنفيذها، وأُطلق على المجموعة تنظيم «كتائب التوحيد »، وقبلها كانت قضية مؤامرة «الألفية » العام 2000 ، وبينها قضايا عديدة أخرى.
هذا النشاط المتدرج الملحوظ للتيار السلفي الجهادي وأفراده في الأردن شهد «نقلة نوعية » مع تنامي فعاليات الحركات الاحتجاجية في المنطقة، والتي أطلق عليها «الربيع العربي » بداية العام 2011 ، ثم انفجار الأوضاع في سورية وبعدها في العراق، التي أدت إلى بروز تنظيم «الدولة الإسلامية »، وإعلانه الخلافة، وقبل ذلك صعود جبهة النصرة في سورية، كل ذلك ألقى بظلال كبيرة على الحالة الأمنية الأردنية، وتحديداً مع ظهور نشاط كبير لأبناء التيار السلفي الجهادي، وتعزيز قدرته على الدعاية والتجنيد، واستقطاب أعضاء جدد، والذي تزامن مع هجرة مئات الأردنيين إلى تلك المناطق الساخنة للانضمام إلى تلك التنظيمات الجهادية والمشاركة في القتال هناك.
بالرغم من كل ذلك ما تزال هنالك فجوة معرفية كبيرة في الدراسات السوسيولوجية وقصور كبير وملحوظ في إنجاز الدراسات والبحوث العلمية الكمية والنوعية التي تناولت التيار السلفي الجهادي، ومعرفة سماته وفهم الأسباب والشروط والديناميكيات التي ارتبطت بظهوره وتناميه.))) وهنالك أيضاً تضارب شديد في حقيقة الأرقام واختلاف في صدقية التقييمات والمعلومات حول حجم التيار وعدد من ذهب من أفراده إلى الخارج بهدف المشاركة في القتال إلى جانب التنظيمات الجهادية، فثمة تقارير دولية تتحدث عما يقارب 4000 آلاف أردني، وتقييمات محلية شبه رسمية تتحدث عن 900 فقط، وبعضها يشير إلى حدود 300.
فضلاً عن ذلك؛ فإنّ الأبحاث والدراسات التي اقتربت أكثر من بنية التيار الداخلية ومن سماته وخصائصه: اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، بمقاربة إمبريقية، تعتبر دراسات نادرة جداً، وربما يعود ذلك – بالدرجة الرئيسة – لمشكلة عدم توافر مصادر للمعلومات موثوقة ودقيقة حول هذا الموضوع.