كتب

تشرفت بأن كلفني مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية أن أتحدث عن نهج جلالة المرحوم الملك الحسين في إدارة الأزمات. وقد اخترت سبع أزمات عايشت ستاً منها بحكم عملي، وتابعت السابعة من الخارج.
هذه الأزمات هي :

  1. مواجهة أيلول العسكرية بين الدولة والمنظمات الفدائية 1970
  2. حرب رمضان أو أكتوبر 1973
  3. زيارة السادات للقدس والصلح المصري المنفرد 1977-1978.
  4. أزمة منظمة التحرير والممثل الشرعي الوحيد 1974-1986.
  5. الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية المعروفة بـ “هبّة معان” 1989
  6. احتلال الجيش العراقي لدولة الكويت في 2/8/1990.
  7. الاحتكاك الأمني المبكر مع إسرائيل بعد معاهدة السلام (مشكلة الدقامسة وخالد مشعل).

وقبل أن أتناول هذه الأزمات واحدة واحدة، أرى من الضروري الإشارة إلى شخصيته القيادية ومكنوناتها الفكرية والسيكولوجية وضميره الإنساني، الذي طالما تكشف للمقربين منه من أصدقاء ومسؤولين وموظفين، والذي كان يقف وراء سلوكه ومقارباته المتميزة بالرحمة والتعاطف والتفهم والصبر وحُسن الاستماع واحترام الآخر والتسامح. وفي يقيني أن هذه السجايا الإنسانية معروفة لديكم. لكنني سأختار خاصية واحدة اكتشفتها حينما كنت أحظى بصحبته مع عدد من المسؤولين المرافقين له في ليالي القدر، التي كان يختارها كل عام لأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة التي كنا بعد الانتهاء منها نغادر بصحبته إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الأعظم. وهناك كان يُفتح لجلالته باب الضريح، فتراه يتعجل الخطى نحوه ملقياً ذراعيه عليه كما لو كان يعانقه بعد غياب، ساعياً لبلوغ أقصى أشواقه النورانية لجده المصطفى صلى الله عليه وسلم.

في تلك اللحظات كنت أرى التاريخ يضيء في عينيه كأنما كان يجدد عهد الوفاء لهاشميته ببعدها النهضوي العربي الذي نادى به وضحّى من أجله جده الحسين بن علي، وبُعدها المقدسي الذي جدد الالتزام به جده المؤسس عبدالله بن الحسين حينما خالف التوجه البريطاني العام 1948 للالتزام بقرار الأمم المتحدة بتدويل القدس، كما جاء في قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين العام 1947 وأمر الضباط الأردنيين بإنقاذ القدس الشرقية التيكانت العصابات الصهيونية تهاجمها من أجل احتلالها. كذلك حينما اتخذ الحسين نفسه قرار فك العلاقة القانونية والإدارية في تموز/يوليو 1988 مع الضفة الغربية، حرص على الحفاظ على رباطه مع القدس من خلال وزارة الأوقاف الأردنية. ما أردت أن أبيّنه – سيداتي وسادتي – أن التاريخ بُبعديه: الديني والقومي كان في جوهر قيادته الفكرية والسياسية. أما على صعيد البُعد القومي؛ فقد سارع في الأول من آذار/ مارس 1956 للاندماج مع حركة التحرر الوطني في العالم العربي، التي صبغت عقد الخمسينات من القرن الماضي بتعريب الجيش، وبعد ذلك بعام واحد، ألغى المعاهدة الأردنية البريطانية. ولعل أكبر شاهد على حكمة قيادته؛ هو عدد زعماء العالم الذين قدموا إلى عمان للمشاركة في تشييع جثمانه في شباط/ فبراير 1999 بمن فيهم الزعيم الروسي يلتسين، الذي لم يعرف سيدنا بلقاء مباشر، بينما عرف عنه فجاء اعترافاً له، وإعجاباً بقيادته لما يقرب من نصف قرن لبلد صغير قليل الموارد تركه آمناً مستقراً متحركاً على طريق الديمقراطية على هدى ميثاق وطني. وفوق هذا وذاك تميّز بحرصه على التواصل مع شعبة خارج إطار السلطة التنفيذية ابتداء من حرصة على الاستماع لبرنامج البث المباشر الإذاعي صباحاً حينما كان من خلاله يتعرف على شكاوى المواطنين فضلاً عن حرصه على الالتقاء مع شعبة في تجمعاتهم في المدن والقرى والبادية والمخيمات. ولهذا كان دائما على اطلاع وثيق بمزاج المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية نساء ورجالاً.