يسعدني ويشرفني أن أشارك كرسي الملك الحسين للدراسات الأردنية والدولية، جهوده القيمة المشكورة في ابتعاث وتسجيل الإنجازات الوفيرة التي تحققت في عهد الملك الحسين الباني، على امتداد نصف قرن من الحكم الرشيد، والعطاء الوفير والقيادة الجامعة الحكيمة التي قادت الوطن إلى ذُرى التقدم والنماء.
الأحكام التاريخية، مهما بلغت موضوعتيها ونزاهة قصدها فإنها لا يمكن أن تتجرد كلياً من منطلقات مجموعة من الوقائع والنوازع والمعتقدات والتجارب والعلاقات التي تتأثر بمن يسجل لها، ويستنبط الأحكام والنتائج من وقائعها. وما دامت الوقائع واحدة في جميع الحالات، فإن تقييمها لا بد من أن يأخذ مناحي شتّى، عند من يتناولها بالبحث والتأريخ، ولكل مجتهد رأيه واجتهاده الذي يستحق الاحترام ما دام مجرداً من الهوى. تعددية فكرية تثري البحث وتعطي للتاريخ أوسع قدر ممكن من الدقة والصدقية.
بادئ ذي بدء، ثمة شعور عميق لدي، ترك تأثيراً في تفكيري ومشاعري وضميري، خلال مراجعتي العقلية، وتقييمي لتلك الحقبة الخصبة من تاريخ الأردن المعاصر، والتي تغطي في معظمها عهد الحسين الباني.
إنه شعور بالغضاضة فيما كان واضحاً لي من افتراءات متعمدة على سجل الأردن، بغير تمييز بين الحسنات والسيئات – فيما كتب عنه من أبحاث، وما نشر وأذيع من رسائل وإعلام وكتب، سواء في أقطار وطننا العربي أو في خارجه، بعيداً عن الموضوعية أو النزاهة الفكرية التي ينبغي لكل باحث يحترم نفسه التحلي بها.
والأردن، شأنه شأن غيره من سائر بلدان العالم، له أخطاء كثيرة وإنجازات كبيرة، تتجلى في النمو الهائل الذي تم خلال قرن من الزمان، بدءاً من إنشاء الدولة الأردنية على يد الملك المؤسس عبد الله الأول، والتي انتزعها انتزاعا من براثن وعد بلفور والصهيونية العالمية الأخطبوطية التي كانت طامعة في أراضيه، وإرساء قواعد الدولة الليبرالية الحديثة؛ وامتداداً بعهد الملك طلال القصير زمنياً الذي وضع في عهده الدستور الأردني المنفتح العتيد.