يمثل الفساد ظاهرة مركبة متعددة الجوانب ومتعددة الأسباب والآثار (لمزيد من التفصيل، انظر الملحق 1). وهي تتجلى في أشكال شتى وممارسات متنوعة في مختلف السياقات. وقد يتمثل الفساد في طيف مسلسل مترابط من أنماط السلوك تبدأ من تقاضي دفعة نقدية واحدة مخالفة للقانون، وقد تتفاقم لتغدو آفة عامة تصيب النظام السياسي أو الاقتصادي برمته.
ومن هذا المنطلق، فإن تعريفات الفساد (انظر الملحق 2 لتعريف المفهوم) تميل إلى تحميل الموظف الرسمي أو ممثلي المؤسسات الحكومية، على اختلاف مراتبهم، الجانب الأكبر من المسؤولية في نشر الفساد وممارسته، وإساءة استخدام ما لديهم من سلطات وصلاحيات للتصرف بالمال العام لما يخدم أغراضهم ومنافعهم الشخصية. وذلك هو جوهر التعريف الذي وضعه البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية ويقترب من ذلك تعريف آخر يصف الفساد بأنه ” تعامل بين طرفيْن ممثليْن للقطاع العام والقطاع الخاص يجري على أساسه تحويل المنافع الجماعية (العامة) بصورة غير شرعية إلى استحقاقات فردية خاصة”.
ويتوسع تعريف آخر في الإشارة إلى طبيعة المنافع والمكاسب التي يحققها الفاسدون. فالفساد، من هذه الزاوية، هو “سلوك ينحرف به الشخص (المعيَّن أو المنتخَب) عن الواجبات المنوطة به لأداء دوره العام، وذلك لدوافع خاصة (شخصية أو عائلية أو شِلليَة) لتحقيق مكاسب في الثروة أو المكانة أو النفوذ”.
ولا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الفساد قد ارتبطت في الذاكرة الشعبية، وأحيانا في مصطلحات الخطاب الرسمي في الأردن – وربما في مجتمعات عربية أخرى – بمفهوم “الواسطة”. وهذا المصطلح المتداول، بما فيه من الغموض والعمومية، قد يعني جانباً من ممارسات الفساد التي لا يمكن تحديدها وحصرها بصورة واضحة. يضاف إلى ذلك أن هذا المفهوم، في نطاق الاستطلاعات الميدانية، لا يمكن تشغيله عملياً أو قياس ما يسود الرأي العام تجاهه من آراء ومشاعر وتقييمات.
مقدمة
أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية استطلاعين للرأي العام حول بعض الموضوعات المتعلقة بالفساد في القطاعين العام والخاص: الأول استطلاع على عينة وطنية؛ والثاني استطلاع لقادة الرأي العام في الأردن. وأجري الاستطلاعان خلال الفترة ما بين 7/10/2006 – 21/10/2006. وتوزعت العينية الوطنية على المحافظات، كما تمت مقابلة المستجيبين وجاهياً. ونفذ هذا الاستطلاع على عينة وطنية ممثلة حجمها 1148، أما استطلاع قادة الرأي فقد تم عبر الهاتف مع الفئات التالية المبينة، وكان حجم العينة المكتملة 626 مستجيباً ومستجيبة، موزعة حسب الفئات المبينة.