ضمن سلسلة نشاطاته للوقوف على مختلف القضايا التي تهم الأردن والوطن العربي, عقد مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية محاضرة بعنوان “تأثير الصدمة المستمر على اللاجئين السوريين: هل يمكن أن يكون الانتشار المقلق لاضطراب ما بعد الصدمة وتأثيره مؤشراً للتطرف؟” قدمتها الدكتورة لينا حداد كريديه, أستاذة العلاقات الدولية وعلم النفس السياسي في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة والباحثة في المركز ضمن برنامج فولبرايت.
واستهل مدير المركز الدكتور موسى شتيوي الحديث بالإشارة الى أهمية الموضوع المطروح، من حيث الآثار النفسية الناتجة عن الهجرة القسرية والتعرض لأحداث مؤلمة وإعادة التوطين في بيئات ثقافية جديدة ذات ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة على اللاجئين السوريين، وخاصة الأطفال والشباب منهم.
وقال إن “اللجوء إلى التطرف والعنف ليس مباشرا ولا يمكن التنبؤ به”، مضيفا أن التعرض للصدمات النفسية والعنف في مرحلة الطفولة له نتائج وعواقب سلبية عميقة على المدى الطويل، خصوصاً في ظل عدم وجود برامج للتعافي أو برامج تسهم في مساعدة اللاجئين على التكيف مع بيئتهم الجديدة.
وعرضت كريديه للدراسة التحليلية التي قامت بها حول انتشار وتأثير اضطراب ما بعد الصدمة على المدنيين خاصة اللاجئين السوريين في لبنان، مبينة أن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو متلازمة عصبية نفسية تسبب تغيرا في القدرات الإدراكية يضعف قدرة الإنسان على المساهمة في مجتمع بشكل إنتاجي وسلمي.
وقامت الدراسة على استبانة مسحية لعينة عشوائية من 2050 مدنيا ولاجئا لبنانيا وفلسطينيا وسوريا (تتراوح أعمارهم بين 21- 64سنة) يعيشون في لبنان، وأشارت النتائج إلى ارتفاع معدل انتشار اضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 33٪ بين اللبنانيين ، و 43٪ بين الفلسطينيين ، و 70٪ بين السوريين.
وأوردت كريديه في محاضرتها “أنه بخلاف الدوافع الاقتصادية والاجتماعية، هناك دوافع سياسية يمكن أن تؤدي للتطرف واللجوء للعنف، كالحرمان من الحقوق السياسية الأساسية، والفساد، وغيرها “.
وركزت كريديه في دراستها على علم الأعصاب لشرح السلوك الاجتماعي والسياسي للمدنيين الذين يعيشون تحت تأثير الصدمة المستمرة وفي حالة من الريبة وعدم اليقين حول ما سيؤول اليه مستقبلهم، منطلقة من فرضية أن الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة هم الأكثر عرضة للجنوح للتطرف والانضمام الى مجموعات متطرفة.
وشرحت كيف أن البيانات التي جرى تحليلها ودراساتها أفضت الى أن انخفاض القدرة على التحكم في الانفعالات بالتوازي مع الكبت العاطفي، والسلوك المتطرف والميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين، يقود إلى زيادة السلوك النزاعي وإمكانية التطرف بين المدنيين.
واشارت في النهاية الى أن هنالك حاجة ملحة الى احداث تحول نموذجي في كيفية الاستجابة لأزمة اللاجئين يجمع بين الموارد الإنسانية والإنمائية، بالإضافة الى مبادرة منسقة ترمي إلى رفع قدرتهم على التكيف مع الأزمة ومواجهة هذه المحنة من خلال توفير الاستقرار لهم ومساعدتهم إنسانيا لمواجهة الأزمة.
وتعكف الباحثة حالياً على دراسة نوعية حول اللاجئين السوريين في الأردن تتعلق بالشدائد والمحن التي يتعرض لها اللاجئون وقدرتهم على التكيف مع الازمة من خلال تأمين احتياجاتهم وتعزيز القدرة على الصمود لديهم.
حضر المحاضرة عدد من الباحثين والمهتمين بالموضوع، ودار حوار موسع أجابت خلاله المحاضرة عن أسئلة واستفسارات الحضور.