أخبارنا

أكد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالرؤوف الروابدة أن الدولة الأردنية منذ نشأتها واجهت العديد من التحديات البنيوية الداخلية والخارجية، وتتعرض من حين لآخر الى تحديات طارئة مستجدة.

وأشار في محاضرة ألقاها بمناسبة العيد الثالث والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية خلال حفل إفطار رمضاني إقامه أمس مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بعنوان “التحديات التي تواجه الأردن”  أن هذه التحديات إما ثابتة مستمرة، أو متغيرة تنجم عن أسباب داخلية او خارجية.


وتابع الروابدة ان التحديات الأساسية تمثلت في التحدي الجغرافي، حيث أدى موقع الاردن في مركز الشرق العربي الى أن يضم المجتمع الأردني مواطنين من أعراق وأجناس وفئات عديدة، الأمر الذي جعله الأكثر حساسية للتأثر بأي حدث يجري في أي دولة عربية أو إسلامية، كما أدى كذلك إلى أن توجد في الأردن لوبيات فاعلة لبعض الدول العربية.


وزاد أن التحدي الثاني هو التاريخي ،  وقال فلما كان الأردن أحد دول بلاد الشام، التي كانت وحدة واحدة قبل التقسيم، فقد سهل ذلك محاولات الاختراق والتأثير، بدعوى أن البعض أصلٌ والآخر فرع، ومحاولات الاستقواء، بدعوى العمل الوحدوي بغض النظر عن المصالح الوطنية، وأن دعم الإرث النبوي للقيادة شرعية النظام الأردني، ترتب عليه تفهم الدولة وتناغمها مع القوى الإسلامية المعتدلة، ما أدى لاحقاً إلى خلافات حادة مع بعض الدول العربية والأجنبية التي تناوئ تلك القوى، وتعمّق هذا التحدي حين أصبحت بعض هذه القوى روافد لتنظيمات غير أردنية أو معادية للأردن، تنحو إلى العنف.


أما التحدي الثالث فتمثل في القضية الفلسطينية ، حيث أن الأردن أوثق الأقطار العربية ارتباطاً بفلسطين، فهو الأقرب لها من حيث التاريخ والجوار والعلاقات والمصالح والديموغرافيا، وبين أن قضية فلسطين قضية وطنية داخلية مركزية وقضية عربية في الوقت نفسه، فقد امتزج الشعبان عبر التاريخ، الأمر حمل على الأردن مسؤولية مضاعفة ليحافظ على العلاقة مع الأهل ودعمهم، لحين الوصول الى حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، حيث يستمر الأردن في دعم الأشقاء بكل السُبل وفي رعاية وخدمة الأوقاف، وينهض جلالة الملك بمسؤوليته في الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، كما يتحمل الأردن المسؤولية الرئيسية في موضوع اللاجئين من مواطنيه ومن أبناء غزة أو الضفة.


وبين الروابدة أن التحديات المتغيرة شملت التحدي السياسي حيث تجذرت النظرة العروبية لدى الشعب والدولة منذ نشوئها، وأُسندت المسؤوليات لقيادات عربية مدنية وعسكرية وتعليمية، الأمر الذي ترتب عليه عدم قيام تنظيمات سياسية أردنية حقيقية  على أرض الأردن، سوى أحزاب الأشخاص التي تقوم وتنتهي بسرعة.


وأشار إلى أن التنظيمات السياسية الأردنية كانت روافد للتنظيمات الأيديولوجية على الساحة العربية أو الدولية، وتوارت الهوية الوطنية الأردنية التي لم تظهر إرهاصاتها  إلا بعد بروز الحركة الوطنية الفلسطينية على أرض الأردن.


وقال إن الهوية الواحدة هي الأساس الجامع لبناء الوطن في وحدة واحدة غير قابلة للتقسيم، وهي حق مطلق لكل من يحمل الجنسية الوطنية، ولا يجوز أن تعيش إلى جانبها هوية وطنية أخرى، حتى لا يكون ذلك سبيلاً لتقسيم المجتمع، وسبيلاً لاستقواء البعض بالإقليمية.


وأضاف أن أخطر التحديات، ما سينجم عن المشروع الأميركي بتصفية القضية الفلسطينية، والذي أطلق عليه « صفقة القرن» .


وتابع أنه من ضمن التحديات المتغيرة التحدي الاقتصادي، الذي اعتبره  تحديا طويل المدى منذ التأسيس، والتحدي الإداري: الذي فيه تراجعت الإدارة الأردنية التي كانت متميزة، وأصبحت تعاني عديداً من الأمراض البنيوية، والتحدي التربوي، والتحدي الاجتماعي.


أما عن تحدي التطرف، فأشار الروابدة إلى أن التطرف العقدي يجتاح  العالم منذ مدة طويلة، ولن يبقى مجتمع في منأى منه، على اختلاف في السبب والدرجة والأسلوب.


وشدد الروابدة على أن الحديث عن التحديات ليس دعوة للإحباط، وإنما هو دعوة للتفكير الجاد بمواجهتها، فأسلوب المواجهة هو الذي يحدد ما إذا كانت تلك التحديات عناصر ضعف أو أسباب قوة، والسكوت عليها وعدم التصدي لها بواقعية وفاعلية يجعلها عوامل تؤدي إلى تعاظم هذه التحديات وتحوّلها لمشكلات مزمنة .


ودعا الروابدة إلى وضع خارطة طريق واضحة، وبرنامج وطني ذي أبعاد زمنية ثابتة، يتم إقراره على غرار الميثاق الوطني، وتشارك فيه كل القوى والفعاليات الوطنية، وتتبناه الحكومات بإعطائه صيغة تشريعية، تتكون عناصره: من حكومات سياسية كفؤة إدارياً وفنياً، وقانون انتخاب توافقي، وتشجيع الحركة الحزبية، والتطوير الجدي للإدارة العامة، ووضع قانون جديد للإدارة اللامركزية، وتقوية الهيئات المسؤولة عن النزاهة ومكافحة الفساد  ووضع خطة اقتصادية شاملة تكفل توزيع مكاسب التنمية بعدالة، وتعزيز ثقة المواطن، وتوفير الانضباطية العامة وفق أحكام الدستور والقانون، ووحدة التوجيه الديني عبر جميع مؤسسات الدولة، وإنشاء منظمة شبابية واحدة تجمع الجهود المتعددة، وتوحيد مرجعية الإعلام الرسمي.


واختتم الروابدة المحاضرة التي رعاها رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عبد الكريم القضاة وحضرها حشد من كبار الشخصيات بأن لكل وطن عناصر قوّة، تمثل شرعيته، وتضمن له الديمومة والتطوّر، وهذه العناصر في الأردن عديدة، يجب العناية بها والتركيز عليها.

بدوره أكد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور موسى شتيوي أن الأردن يشق طريقه بعزة وثبات وتطور ومواقف عربية ودولية.


وأشار إلى أن المركز يحرص دوما على تكريس الحوار العقلاني المثمر والمفيد من أصحاب القرار والاختصاص والرأي، ليكون منهجاً راسخاً ورسالة حضارية، ليبقى منارة بحث ورصد وتحليل علمي للتحديات والقضايا التي تشغل الوطن والمواطن.