كشفت دراسة بحثية لمشروع “قرارنا” عن أن تأثير مؤسسات المجتمع المدني في عملية إرساء الديمقراطية في الأردن “لا يزال ضعيفًا، ولا يزال الكثير منها، غير فعال”، رغم أن عدد ودور تلك المؤسسات قد نما بشكل كبير في الساحة السياسية خلال الأعوام الأخيرة.
وأشارت الدراسة التي أطلقت نتائجها خلال مؤتمر عقده مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أمس، وجاءت تحت عنوان “تدعيم مؤسسات المجتمع المدني في الأردن من أجل زيادة التأثير في عمليات التغير الديمقراطي”، إلى أن معظم منظمات المجتمع المدني النشطة في الدعوة للديمقراطية ولعب أدوار المراقبة في درجات مختلفة تفتقر إلى التعليم السياسي والمدني، بينما تعيق تلك الحالة الجهود والعلاقات، وأحياناً تؤدي إلى عدم الثقة بين المجتمع المدني وصانعي القرار.
وبينت الدراسة التي هي جزء من مشروع “قرارنا” الممول من الاتحاد الأوروبي (EU)، والوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي (AECID) أن منظمات المجتمع المدني “تواجه عقبات مختلفة لتوحيد الجهود من خلال إنشاء تحالفات بسبب عوامل مثل: التنافس أو الروابط الشخصية التي تحكم علاقاتها (51% من المنظمات في الدراسة معترف بها قامت ببناء بعض التحالفات المدنية مع المنظمات الأخرى، في حين أن 49% لم يفعلوا ذلك من قبل)”.
وفيما يتعلق بالآليات التي تستخدمها منظمات المجتمع المدني للتأثير على عملية صنع القرار والعملية الديمقراطية في الأردن، بينت الدراسة “أن هناك عددًا محدودًا من المنظمات التي تلعب دور مراقبة أداء الحكومة أو البرلمان أو العمليات الانتخابية”.
وأضافت “على سبيل المثال، ووفقًا للأرقام التي تم الحصول عليها، لم يشارك 62% من منظمات المجتمع المدني من قبل في الأنشطة المتعلقة بالانتخابات البلدية أو البرلمانية، بينما شارك 38% في هذه الأحداث”.
وحول الطرق المستخدمة للتأثير على صنع القرار والتغيير، أفاد 35 % من منظمات المجتمع المدني بأنهم استخدموا أدوات مثل أنشطة التوعية التي تستهدف مجموعات معينة من خلال الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، و26% قامت بتنظيم اجتماعات محددة مع الشركاء لزيادة نفوذهم، و10% تستخدم وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لإحداث التحول، و9% تستخدم طريقة حملات كسب التأييد لزيادة التأثير في مواضيع محددة”.
في حين تستخدم بعض المنظمات، وخصوصًا في المناطق الوسطى والجنوبية، آليات أخرى مثل العرائض والبيانات وأوراق السياسات.
وبالنسبة للعقبات التي تواجه تلك المنظمات أثناء تأدية مهامها، أشارت الدراسة إلى “أن ثلثي المنظمات لا تواجه صعوبات في الحصول على الموافقات اللازمة لتنظيم وتنفيذ أنشطتها بينما أفاد 7% بأنهم يواجهون صعوبات كبيرة، و14% يواجهون صعوبات متوسطة”.
وفيما يخص احتياجات المنظمات لتمكينها من تحقيق أهدافها وأنشطتها، أوضحت الدراسة “أن 48% أفادت بأنها بحاجة إلى دعم مالي، بينما قالت 24% إنها بحاجة إلى مساعدة في الوصول إلى داعميهم، و12% بحاجة إلى تدريب وتأهيل كوادرها”.
وأشارت إلى “أن أغلبية ممثلي المنظمات في المنطقة الوسطى أفادوا بأنهم بحاجة إلى دعم مالي لتمكينهم من تحقيق أهدافهم والقيام بأنشطتهم أكثر من المنظمات في المناطق الشمالية والجنوبية، فيما أكد ممثلو المنظمات حاجتهم أكبر لتدريب وتأهيل كوادرهم الخاصة في المنطقة الجنوبية”.
أما فيما يتعلق بالوصول إلى الداعمين، أظهرت نتائج الدراسة أن المنظمات في المناطق الشمالية والجنوبية بـ”حاجة إلى التواصل مع مؤيدي المنظمات أكثر من المنطقة الوسطى”.
وخلال حفل إطلاق نتائج الدراسة، قال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عبد الكريم القضاة في كلمة ألقاها إن مؤسسات المجتمعِ المدنيِّ تنهض بدوْرٍ كبيرٍ في تعزيزِ قوّةِ الدولةِ المدنيّة، ليْسَ على المستوييْنِ الاقتصاديّ والاجتماعي فحَسْب، وإنّما أيضًا في إطارِ الدفاعِ عن الحقوقِ والحرّياتِ وتعزيزِ قيَمِ المواطنةِ والعملِ المدنيّ، مضيفًا أن الحديثَ عن التغيّرِ الديمقراطيِّ لا يستقيمُ من دونِ تأكيدِ دورِ مؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ في هذا المجال.
وأضاف أنّ مجتمعاتِنا غنيّةٌ بالتنوّعِ الدّينيِّ والثّقافيّ، وتنْتَمي إلى عالَمٍ مَليء بالوقائعِ والمُعطياتِ الجديدة، وهي تزْخَرُ بالمواردِ البشريّةِ والطبيعيّةِ التي إذا ما تَمّتْ إدارتُها بحكمةٍ واقتِدار، فإنّها ستُحقِّقُ التنميةَ المستدامةَ المنْشودةَ المتَمثّلةَ في استمرارِ النّموِّ الاقتصاديِّ والتّطوُّرِ الاجتماعيّ عبْر الأجيالِ المتَعاقِبةِ في إطارٍ مؤسّسيّ مُحدَّدِ المَعالِمِ والتّوجُّه.
وتابع القضاة قائلا “لقدْ باتَ من الصّعبِ اليومَ قراءةُ الواقعِ الرّاهنِ دونَ الأخْذِ بالحُسْبانِ مَركزيّةَ التربيةِ والتعليم، لِمَا لهُما من أهميةٍ في تشكيلِ العقلِ الناقد، وتحديدِ مساراتِ المعرفة، وصناعةِ الأسلوبِ التعليميِّ المتَّبَعِ في تأسيسِ مناهجِ هذهِ المعرفة”، مؤكدا أنّ السبيلَ لتحقيقِ هذه الغايةِ يكمُنَ في تفعيلِ التربيةِ على مختلِفِ مستوياتِها، ونشْرِ الوَعي وبناءِ قدراتِ المواطنينَ التشاركيّة.
في حين، قالت السفيرة الاسبانية أرنثاثو بانيون دافالوس إن مشروع “قرارنا” يُعتبر فريدا من نوعه، وخاصا بالنسبة للسفارة، لمساهمته في تعزيز الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الأردن. مشيرة إلى أن المشروع تم إطلاقه كمكون مصاحب لعملية الإصلاح السياسي في الأردن.
وأكدت أن ضمان نجاح المشروع يكمن بحسب قولها في أن تكون ملكيته وقيادته من قبل مؤسسة قوية ورصينة، الأمر الذي ينطبق على الجامعة الأردنية ومركز الدراسات الاستراتيجية”.
وكشفت دافالوس أن الدراسة ستكون أساسا ومرجعا لتنفيذ برنامج تدريبي، سيتم البدء فيه خلال أسابيع، مؤكدة أن التدريب سيكون فعالًا لتلبية الاحتياجات، وأوضحت “أن البرنامج حساس جدًا جراء الأوضاع السياسية المتغيرة في المنطقة، التي تكثر فيه التحديات، مع ما يصاحب ذلك كثير من الطموحات”، مشيرة في الوقت ذاته إلى “أننا مقتنعون أنه بدون وجود المجتمع المدني في النظام الديمقراطي يبقى التناغم المجتمعي ضعيفًا”.
من جانبها، أكدت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى عمان ماريا هادجيثيو دوسيو أهمية المشروع في دعم الثقافة السياسية وإحداث التغير الديمقراطي، وتعزيز الحوكمة الديمقراطية في الأردن.
وأعربت عن أملها في رؤية مجتمع ديمقراطي فعال في الأردن، مشيرة في حديثها إلى الأوراق النقاشية الملكية التي أكدت في مضامينها أهمية بناء ديمقراطية أردنية فعالة تقوم على التشاركية.
بدوره، قال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور زيد عيادات إن الدراسة، التي تضمنت جمع معلومات من 443 من منظمات المجتمع المدني الأردنية، تهدف إلى تعميق دور المجتمع المدني في المساهمة في العملية الديمقراطية، ودعم عملية الإصلاح في الأردن نحو توطيد الديمقراطية، وتعزيز دمج السياسات الوطنية وعمليات صنع القرار.
وأضاف أن البرنامج “يسهم في نشر ثقافة الحكم الديمقراطي، وتعميق دور المجتمع المدني في تعزيز الحكم الديمقراطي وصنع السياسات”.
وأكد عيادات أن مشروع ”قرارنا” يعد جزءا لا يتجزأ من برنامج EU-JDID “دعم المؤسسات الديمقراطية والتنمية في الأردن”، ويتكون هذا البرنامج من أربعة مكونات مختلفة لكنها مترابطة، وهي: الدعم البرلماني، دعم الانتخابات، دعم الأحزاب السياسية، ودعم منظمات المجتمع المدني.
وأشار عيادات إلى أن الدراسة تتضمن تقييمًا للسياق الحالي والاحتياجات الرئيسة لمنظمات المجتمع المدني (CSOs) في المجالات ذات الصلة بأهداف “قرارنا”، وهي: التربية المدنية، معلومات الناخبين، توعية الجمهور بأدوار البرلمان واللجنة الانتخابية المستقلة، تعزيز دور المرأة والشباب في الحياة السياسية، مراقبة الانتخابات المحلية، المراقبة البرلمانية، وبناء الائتلاف.
إلى ذلك، قالت مديرة مشروع “قرارنا” في مركز الدراسات الاستراتيجية روان فضايل إن الدراسة تضع الأسس اللازمة لتصميم برنامج تدريبي شامل، ينفذه المركز اعتبارًا من الشهر الحالي، وإن البرنامج سيبني قدرات أكثر من (200) منظمة مجتمع مدني أردنية من جميع أنحاء المملكة في مواضيع مختلفة ستساهم في زيادة مشاركتها في صنع السياسات ومساهمتها بالحكم الديمقراطي.
وأشارت فضايل إلى أن المركز وضمن إطار “قرارنا”، سيقوم بتصميم برنامج للتعلم الإلكتروني يستهدف الشباب الأردني والناشطين الراغبين في المشاركة في المساحات المدنية والوصول الأعمق لأهداف المشروع، كما سيكون هناك تمويل فرص تدريبية لأفضل 14 متدربًا للعمل في مؤسسات المجتمع المدني.
في حين قدم مدير وحدة الاستطلاعات والرأي العام بـ”الدراسات الاستراتيجية” الدكتور وليد الخطيب إيجازا لأهم نتائج الدراسة.
وعلى هامش حفل إطلاق نتائج الدراسة، عقدت جلسة نقاشية تناولت في مضمونها الحديث عن أدوات وآليات واقتراحات حول تعزيز مشاركة منظمات المجتمع المدني في العملية السياسية والتغير الديمقراطي في الأردن.