آراء ومقالات

يوسف رياض الجريري

مع دخول التعديلات الجديدة على قانون التنفيذ الأردني حيز النفاذ اعتبارًا من 25 حزيران 2025، احتدم الجدل القانوني والاجتماعي حول ما إذا كان حبس المدين قد أُلغي بالكامل، كما راج في العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل. لكن التدقيق في المادة (22) المعدّلة من القانون يُظهر أن الحبس لم يُلغَ، بل أعيد تنظيمه وتقييده بشكل كبير، في إطار توجه تشريعي جديد يسعى لتحقيق توازن عادل بين حقوق الدائنين وحماية كرامة المدينين.

أولًا: حقيقة المادة (22) من قانون التنفيذ

تنص الفقرة (و) من المادة (22) المعدّلة على ما يلي:

لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي، باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل.
تسري أحكام هذا البند بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ القانون.

وحيث أن التعديل نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 25/6/2022، فإن تطبيق هذه الأحكام يبدأ رسميًا في 25/6/2025. وعليه، يصبح الحبس التنفيذي غير جائز للديون المدنية الناشئة عن عقود عادية كالقروض الشخصية أو فواتير المبيعات أو الاتفاقات التجارية البسيطة.

ثانيًا: الحبس لم يُلغَ كليًا

رغم التقييد الجوهري، أبقى المشرّع على إمكانية الحبس في حالات استثنائية تُعد ذات أولوية قانونية أو أخلاقية عالية، وتشمل:

  1. التعويض المحكوم به عن ضرر ناتج عن جرم جزائي
    كالضرر الناتج عن حادث سير متعمد أو جنحة تسبب أذى جسديًا.
  2. النفقة المحكوم بها للزوجة أو الأبناء
    حيث يُمكن الحبس عن كل قسط لم يُسدّد باعتباره دينًا مستقلًا.
  3. المهر المحكوم به
    إذا صدر حكم قضائي بالمهر وامتنع الزوج عن التنفيذ.
  4. الامتناع عن تسليم الصغير أو عدم الالتزام بحكم المشاهدة
    وهي حالات تتعلق بحماية حقوق الطفل وتنفيذ أحكام الحضانة والزيارة.
  5. ديون عقود إيجار العقار
    حيث استثنى القانون هذه العقود من التقييد، فالحبس لا يزال ممكنًا.
  6. الديون الناتجة عن عقود العمل
    مثل الأجور غير المدفوعة أو حقوق العامل، وتُعد مبررًا للحبس التنفيذي.

ثالثًا: الإعدام المدني كبديل تشريعي حديث

مع الحد من الحبس كوسيلة لتنفيذ الأحكام المالية، برزت الحاجة إلى بدائل قانونية تُحقق الغاية دون المساس بالحرية الشخصية. ومن أبرز هذه البدائل ما يُعرف قانونيًا بـ الإعدام المدني.

ما هو الإعدام المدني؟

هو حرمان الشخص من بعض الحقوق أو الامتيازات المدنية نتيجة تخلفه عن الوفاء بالتزام مالي، دون اللجوء إلى الحبس. يهدف هذا الإجراء إلى ممارسة ضغط قانوني فعال على المدين لتسديد دينه، دون الإضرار بحريته الجسدية أو إنسانيته.

أمثلة على الإعدام المدني:

  • منع السفر
  • الحجز على الأرصدة والممتلكات
  • الحرمان من إصدار شيكات أو بطاقات ائتمانية
  • منع منح التراخيص أو تسجيل الشركات
  • الإدراج في القوائم السوداء أو السجل الائتماني
  • منع التعاقد مع الجهات الحكومية أو الدخول في مناقصات

هذه الإجراءات تُستخدم في العديد من الأنظمة القانونية الحديثة، وقد بدأت تتسلل تدريجيًا إلى أدوات التنفيذ في القانون الأردني ضمن رؤية أشمل لإصلاح العدالة المدنية.

لماذا يُعد الإعدام المدني خيارًا منطقيًا؟

  • يحافظ على كرامة الإنسان
  • يُبقي المدين في الدورة الاقتصادية بدلًا من تهميشه
  • يُحقق مصلحة الدائن بفعالية دون إضرار اجتماعي
  • يُخفف الضغط على مراكز الإصلاح والتأهيل
  • يتماشى مع الالتزامات الدولية للأردن في مجال حقوق الإنسان

رابعًا: نحو عدالة توازن بين الحقوق والحريات

التعديل التشريعي في المادة (22) لا يُمثل تنازلًا عن حقوق الدائن، بل يُعيد صياغة العلاقة التنفيذية بما يتناسب مع معايير العدالة الحديثة، ويُحقق المواءمة بين:

  • حماية حقوق الدائنين المشروعة
  • احترام الحرية الشخصية للمدينين
  • تجنب استخدام الحبس كأداة عقابية لمجرد العجز المالي
  • الالتزام بتعهدات الأردن الدولية، لا سيما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

خامسًا: خاتمة

إن التعديل الذي طال المادة (22) من قانون التنفيذ الأردني لا يُعد إلغاءً للحبس، بل تحولًا تشريعيًا جذريًا نحو نظام تنفيذ أكثر عدالة وإنسانية. وهو يعكس إدراكًا تشريعيًا بأن الحلول الجبرية لا تعني بالضرورة الحبس، وأن الإعدام المدني يمكن أن يكون أكثر ردعًا، وأقل ضررًا، وأكثر توافقًا مع الدولة القانونية.

وبذلك، يؤسس القانون الجديد لمرحلة جديدة في مفهوم العدالة التنفيذية، تجعل من الحبس آخر الحلول، لا أولها، وتُعلي من شأن الكرامة الإنسانية دون أن تُهمل قوة القانون.