دانة المجالي
لم ترتبط الإشكالية الرئيسية مع جماعة الإخوان المسلمين بمطالب إصلاحية أو برغبة فعلية في إعداد مشروع سياسي ديمقراطي. بل كانت دائما إشكالية سلطوية بشكل أو بآخر. إذ عملت الجماعة على توظيف شعارات متغيرة باسم الدين والشعب، وثالثها باسم القضية الفلسطينية سعيا للاندماج في النظام السياسي القائم من هذا الباب. وفي هذا السياق، لم يكن الخطاب مجرد وسيلة للتعبير عن المواقف، بل كان فعلا مقصودا يستخدم لإنتاج المشروعية، التي تعيد تشكيل موقع الجماعة.
ففي الوقت الذي كانت فيه البلاد تواجه تحديات عديدة في مجال التنمية والاقتصاد، اختارت الجماعة التركيز بالصراع المشتعل إقليميا، متجاوزة الأولويات الوطنية والقضايا الداخلية مهمشة بذلك الواقع المحلي. وبهذا، أصبح سهلا تبرير الفشل في تقديم حلول لقضايا راهنة مثل البطالة أو التعليم، عبر استدعاء خطاب القضية الفلسطينية والمقاومة الذي يمنح التنظيم الحصانة الرمزية ضد النقد والمساءلة.
كما كان واضحا الطابع العاطفي على خطابات الجماعة، اذ تحولت كل مواجهة مع الدولة إلى معركة للحق، وكل إجراء قانوني إلى قمع سياسي. هذا الشعور بالظلم الذي أمسى جزءا من الهوية واداة ممنهجة تستخدم لتوسيع الحاضنة الشعبية وليس مجرد رد فعل على حالة الشعور الدائم بالاضطهاد .وهنا تبرز أهمية الإشارة إلى توظيف المظلومية السياسية كأداة لكسب الشرعية المجتمعية، إذ تصبح المظلومية جزءا من الأداء السياسي اليومي للجماعة، لا مجرد موقف ظرفي.
ومن المفيد هنا استحضار مفهوم الخطاب كفعل، والذي يعني أن الخطاب لا يصف الواقع فقط، بل يساهم في خلقه وإعادة إنتاجه. بناء على ذلك، فإن الجماعة لا تستخدم فقط خطاب المظلومية لتوصيف علاقتها مع الدولة، بل تؤسسه من خلال شعور جمعي دائم بالاضطهاد.
الخطورة هنا تأتي من فكرة تجاوز حدود العمل السياسي السلمي، إلى ما نحو مساحات أمنية حساسة، هذا ما خلق ذلك التحول النوعي في علاقة الجماعة بالدولة، وطرح العديد من التساؤلات حول مدى التزام الجماعة بمنطق السيادة الوطنية، وحدود العمل السياسي المشروع.
وليست المشكلة هنا في التدين كمفهوم، بل في تديين التنظيم، وهو واضح في جعل الخطاب الديني أداة سياسية لتبرير المواقف، والتعامل مع النقد كعدوان على المقدسات، باعتبار الجماعة الممثل الرسمي للحق الإلهي. في المقابل، لا شك أن الدولة كمفهوم سياسي وقانوني وعبر التاريخ لم ولن تدار بالنوايا، بل بالقواعد الشرعية والعمل المؤسسي. فلا القانون يصلي، ولا الدستور يصوم، ولا الأجهزة الأمنية تنتظر إذنا من التنظيم لتتحرك حين يهدد الأمن الوطني.
ما حدث ليس صداما بين دين ودولة، بل بين أيديولوجيا عابرة للحدود، ودولة تثبت وتحمي منطق السيادة والشرعية القانونية. المفارقة هنا أن الإجراء الأخير لم يكن مفاجئا في جوهره، بل المفاجئ أنه تأخر كل هذا الوقت.