آراء ومقالات

بلال العضايلة

كيف يمكن لعمل إرهابي إطلاق سلسلة من الاضطرابات في بيئة مستقرة؟!

كلما حدثت عملية أو أُعلن عن إحباطها تسارع مجموعة فريدة من المشكّكين في التقليل من أثر وتداعيات هذا الهجوم – إن وقع – وهي بذلك تسلك منحنى آخر من التشكيك يتجاوز المنحنى التقليدي الذي يشكك في حقيقة العملية المُحبَطة أو دوافعها إن حدثت فعلاً. حيث يميل العقل البشري أحياناً إلى قبول تفسيرات سهلة على الفهم فيلجأ إلى نظرية المؤامرة كونها تحيل إلى عامل خارجي، وبذلك يعفي العقل ذاته من عناء التفكير.

فمن يشكك في قدرة العمليات الإرهابية على تغيير مجريات الأمور في دولة مستقرة يتغاضى عن شواهد تاريخية أدت العمليات الإرهابية دور “تأثير الفراشة” في إطلاق صاعق سلسلة من التفاعلات التي أطاحت بالتوازن العام داخل الدولة وأدّت إلى تغيير شامل في مختلف مناحي الدولة، فتأثير الفراشة يفترض أن كسر التوازن ولو كان محدوداً في نظام معقّد قد يقود إلى تراكم سلسلة من ردود الأفعال غير المتوقعة وغير الممكن التنبؤ بها.

فمثلاً قاد حدث بسيط نسبياً في النظام الدولي هو تفجير برجي التجارة في 11 سبتمبر 2001 إلى تغييرين أساسيين:أولاً تغيير شكل القطبية الأحادية، وثانياً تغيير البيئة المحلية الأمريكية. فرداً على تلك الهجمات قادت الولايات المتحدة حملة دوليّة لغزو العراق وأفغانستان أنفقت فيها 5.2 ترليون دولار بحسب تقديرات معهد واتسون/ جامعة براون، وذلك فقط باحتساب التكلفة المباشرة أي التقديرات الدنيا. وأدى هذا الإنفاق الذي ترافق مع تسخير واشنطن جهودَها الدولية لمكافحة الإرهاب إلى انشغالها عن موقعها القيادي في النظام الدولي، ففي غمرة انهماكها بحربٍ لا نهائية على الإرهاب تمكّنت الصين من اختراق القطبية الأحادية وتحقيق نهضة اقتصادية قلّصت بها الفجوة مع الولايات المتحدة.

أما على صعيد البيئة المحلية، فقد أثارت مشاهد تهاوي البرجين نزعة يمينية متطرفة لدى الأمريكيين وأصبحت مسألة الحقوق الحريات ثانوية مقارنة بالأمن والنظام، وحتى القوانين المحلية خضعت لتعديلات جوهرية، إذ نظر حقوقيون إلى قانون “Patriot” الصادر بعد الهجمات على أنه قانون طوارئ يتعدّى على الحقوق الشخصية والخصوصية، كما أن يوسع نطاق صلاحيات الحكومة الأمريكية، في تناقضٍ مع مبدأ أساسي نشأ عليه الدستور الأمريكي يتمثل في تخفيف صلاحيات الدولة واكتفاءها بدور المنظّم والحامي للحقوق والحريات والدفاع عن الحدود “Guarding State”، فبعد هذه الهجمات أصبحت الحكومة الفيدرالية تميل لتكون دولة تدخلية “Intervening State” مقلّصة بذلك نطاق المجال العام ومخضعةً إياه لرقابة صارمة.

والشيء بالشيء يذكر، إذ قادت الهجمات الإرهابية التي حدثت في قلب أوروبا في منتصف العقد الماضي إلى تعزيز الموجة اليمينية الشعبوية، فما كان مهمّشاً وغير عقلاني في طرحه أصبح تحت تأثير هذه الهجمات لاعباً أساسياً في البيئة الأوروبية السياسية بحجة الدفاع عن الهوية ضد العدو “الداخلي” والخارجي أيضاً.

وهنا قد يشكك البعض في حقيقة الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات، إذ ظهرت فرضيات ومصادر تتهم جهات ومواقع في الدولة في تسهيل وقوع هذه الهجمات خدمةً لأهداف سياسية يمينية، وهذا التشكيك منطقي. لكن ما هو غير منطقي أن يشكك البعض في تأثير الهجمات الإرهابية على حالة الاستقرار العام في الدولة، فهذا التأثير مثبت في الوقائع التاريخية والحقائق المنطقية. 

والأمثلة كثيرة على تأثير الفراشة الناجم عن الهجمات الإرهابية، آخرها تفجير ميناء بندر عباس الذي قد يطيح بالموقف التفاوضي الإيراني ذلك لأنه استهدف الوقود الصلب المخصص للصواريخ البالستية الثقيلة، فبدونه لا تستطيع طهران تعويض مخزونها المدمّر بسبب الضربات الإسرائيلية في 2024، وبذلك يسلِب التفجير من إيران ورقة قوة مهمة في مفاوضاتها مع واشنطن

واترك الخيال لعقل القارئ ليتصور حجم الضرر والأذى الذي كان سينجم عن الشبكة الإرهابية التي أعلنت عن ضبطها الأجهزة الأمنية، فماذا لو نفذت هجومها ضد منشآة أمنية أو تجارية – كمول مثلاً – أو سياحية أو حيوية – كالبوتاس – بكل تأكيد وقوع مثل هكذا هجوم في هذا التوقيت سيضر بحالة الاستقرار على أكثر من صعيد. فاقتصادياً سيُضرب الموسم السياحي، وقد يتم تخفيض التصنيف الائتماني المتعلق بالفائدة على الدين العام، ناهيك عن نفور الاستثمار الأجنبي من البلاد. أما داخلياً فستضطر الدولة إلى اتخاذ سلسلة أجراءات أمنية وسياسية قد يُنظر لها على أنها تقويض لمسار التحديث الشامل وهو ما يضر بالثقة الشعبية. في حين، وعلى الصعيد الدولي، ستخسر الدولة كثيراً من قيمتها من حيث القدرة على مكافحة الإرهاب وتطويق مصادره.

قد يقول قائل إن الشبكة التي جرى ضبطها معدّة للهجوم ضد نقاط إسرائيلية. حسناً فلنصدّق هذا القصور الذهني الذي يفترض أن صاروخ مداه لا يتجاوز 5 كم يمكن له الوصول المؤثر إلى العمق الإسرائيلي، ولنفترض أنه فعلاً جرى إطلاق عدة صواريخ فإن التبعات ستكون صادمة، ذلك أن قيمة ومصداقية أي دولة تتمثل في حقها السيادي وفي تعهدها بأن لا تكون أراضيها منطلقاً لأي أعمال خارجة عن إرادتها، وستمهّد هذه الشبكة لو لم يتم إحباطها ومحاصرة روافدها الإقليمية الطريقَ نحو تدخّل دولي في الشأن الأردني لأن الدولة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية.

وقد يقول قائل أن الأسلحة والمتفجرات المضبوطة معدّة للتهريب، واتسائل كيف لعاقل أن يتصور إمكانية تهريب صاروخ طوله بضعة أمتار عبر الحدود!

إن ما تم إحباطه بجهد أمني استخباري فريد جنّب البلاد والعباد تبعات كانت ستطيح بسيادة واستقلالية البلاد، أو على الأقل كان لهذا التبعات أن تقوض صورة الأردن المستقر الآمن وأن تزيد من اضطراب المزاج العام المحتقن أصلاً لأسباب محلية وخارجية.