آراء ومقالات

دانا المجالي


عقد مجلس النواب الأردني جلسته اليوم، وسط حالة من الترقب الشعبي والسياسي، بعد إعلان دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخطط إرهابي يستهدف أمن واستقرار المملكة. الجلسة لم تكن عادية، بل حملت في طياتها رسائل سياسية عميقة، أعادت التأكيد على ثوابت الدولة، وأبرزت حجم التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الأردن في هذه المرحلة.
افتتحت الجلسة بكلمات واضحة من رئيس المجلس أحمد الصفدي، الذي أشاد بدور الأجهزة الأمنية الوطني في حماية الأردن، مؤكدا أن وحدة الأردنيين خط أحمر لا يمكن تجاوزه. هذا الموقف لم يكن مجرد رد فعل على حدث أمني، بل كان بمثابة إعادة ترسيخ لمفهوم الدولة القوية والمؤسسات التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
لكن اللافت في الجلسة كان التوتر السياسي الذي ظهر خلال مداخلة النائب صالح العرموطي، الذي اتهم الحكومة بإثارة الفتنة، مما أدى إلى شطب كلمته من محضر الجلسة. رد رئيس المجلس كان حاسما، مؤكدا أن الحكومة لا تضم إلا وزراء وطنيين، في دلالة على أن التلميح بالتشكيك في النوايا الوطنية لم يعد مقبولا تحت قبة البرلمان.
كما شهدت الجلسة مطالبات مباشرة من نواب بمحاسبة من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والتي اعتبرت خطرا على الأمن الوطني. هذا الطرح أعاد إلى الواجهة الجدل حول العلاقة بين الدين والسياسة في الأردن، في ظل متغيرات إقليمية متسارعة، وتنامي الخطابات التي تدعو إلى الحسم تجاه الجماعات السياسية ذات الطابع الديني.
ومن الملفت أيضا أن الجلسة تضمنت بث رسالة مصورة لجلالة الملك عبد الله الثاني، تعود لفترة سابقة، تتحدث عن ضرورة حماية أمن الأردن ووحدته الداخلية. هذا التذكير برسائل القيادة الهاشمية لم يكن عابرا، بل جاء في سياق إعادة التذكير بأن الأمن الوطني ليس فقط مسؤولية الدولة، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب تماسك الجميع.
لا شك انه لا يمكن قراءة مواقف النواب اليوم دون العودة إلى الخلفية التاريخية لعلاقة الدولة الأردنية بجماعة الإخوان المسلمين. فالجماعة، التي كانت لسنوات طويلة جزءا من المشهد السياسي، تراجعت مكانتها في العقد الأخير بفعل تحولات داخلية وضغوط خارجية، فضلا عن قرارات رسمية أدت إلى حلها قانونيا. ومع ذلك، فإن الإشارة إليها في جلسة اليوم بهذه الحدة تعكس توترا سياسيا متجددا. فبعض النواب اعتبروا الجماعة تهديدا للأمن الوطني، وطالبوا باتخاذ إجراءات أكثر حسما تجاهها.
هذا التحول في الخطاب النيابي لا يمكن فصله عن التغير في المزاج السياسي العام، والذي بات أكثر ميلا لإقصاء التيارات التي تتهم باستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية. ومع عودة الحديث عن مخططات تستهدف الأردن من الداخل، تعود تساؤلات حول من يستثمر في زعزعة الاستقرار، ومن يوفر الغطاء الفكري أو التنظيمي لذلك، حتى ولو بشكل غير مباشر.
في الحقيقة إن ما يجري على الساحة الإقليمية لا يمكن فصله أبدا عما يحدث تحت قبة البرلمان. التهديدات الأمنية المتكررة، وانكشاف محاولات اختراق الداخل الأردني، لا يمكن فهمها خارج سياق الإقليم المشتعل. فالحرب على غزة، والانقسام في المشهد الفلسطيني، والتوترات في سوريا والعراق، كلّها عوامل تدفع الأردن للتمسك أكثر بثوابته، ولتشديد القبضة على كل ما قد يهدد توازنه الداخلي.
كما أن تصاعد الاستقطاب السياسي في بعض دول الجوار، وعودة الجماعات الايدلوجية إلى الواجهة، يعزز مخاوف حقيقية من امتداد هذه التيارات إلى الداخل الأردني. لذلك، فإن التحذيرات البرلمانية من تكرار سيناريوهات خارجية داخل الوطن، لم تكن مجرد استعراض سياسي، بل جاءت من إدراك لحساسية المرحلة وتعقيداتها.
في المحصلة، أظهرت جلسة مجلس النواب اليوم أن الداخل الأردني لم يعد يحتمل الخطابات الرمادية، فالمعادلة باتت أوضح: أمن الدولة ووحدة المجتمع هما الثابت، وكل من يحاول العبث بهما، سياسيا كان أو فكريا، سيجد نفسه في مواجهة مع مؤسسات تعرف جيدا ما الذي يجب فعله. ومع تسارع التغيرات الإقليمية، يبقى التحدي الحقيقي أمام الأردن هو القدرة على حماية استقراره دون التفريط بالمساحات الديمقراطية، والحفاظ على التوازن الدقيق بين الحسم الأمني والانفتاح السياسي.