ُعقدت القمة العربية الطارئة في مصر لبحث اليوم التالي في غزة بآمال كبيرة وبمخاوف مشروعة، فبعد 15 شهر من حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة في القرن الحادي والعشرين طالت مختلف مناحي حياة قاطني القطاع المحاصر منذ 2007؛ لا يزال الأفق السياسي أمام وقف جذري لإطلاق النار متعثراً، فلا وجود لخارطة طريق سياسي تنهي مسبّبات الصراع التي يمكن اختزالها بالاحتلال وما يرافقه من هواجس أمنية إسرائيلية لا تزال حبيسة جدار جيبوتنسكي الحديدي.
ومما عقّد المشهد في القطاع تولي إدارة أمريكية مقرّبة أيديولوجياً من فكر يمين اليمين الإسرائيلي فيما يتعلق بأرض الميعاد، فلم يكن ترامب ليتم الشهر الأول من تنصيبه رئيساً حتى أطلق سلسلة من التصريحات والمواقف بعضها متناسق إزاء مستقبل غزة تتمحور حول تصوّر لحل “عملي” ونهائي يقوم على تهجير قاطني غزة نحو وجهات أخرى وتحويل غزة من ساحة هدم بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى ريفيرا الشرق الأوسط على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
ونظراً لما يحمله الترانسفير – الذي وإن بدأ في غزة فإنه لن ينتهي فيها بل سيطال الضفة الغربية والقدس الشرقية – من تداعيات وخيمة قد ترقى إلى “حسم الصراع” وفق منظور متشددي التيارات الدينية والقومية في إسرائيل، تداعت دول عربية في مقدمتها الأردن ومصر الأقرب جواراً وتداخلاً مع القضية الفلسطينية لمزاحمة السردية اليمينية الترامبية وتقديم بديل عملي يقوم على إمكانية “التعمير دون التهجير” وفق خطة شاملة نُشرت خطوطها العريضة عشية انعقاد القمة.
سبق القمّة حراك دبلوماسي مكثّف أبرزه محطتين: الأولى هي لقاء الملك عبدالله الثاني مع ترامب الذي كان يمكن أن ينتهي إلى اشتباك دبلوماسي مباشر على الهواء مثل اجتماع ترامب – زيلنسكي لولا الحنكة الملكية واستعداد الدبلوماسية الأردنية مسبقاً لطرح الإدارة الأمريكية. ورغم الظروف الصعبة التي جرى بها اللقاء نجحت عمان في عرض ثوابتها بوضوح في البيت الأبيض وبطريقة بدت معقولة لمختلف المؤسسات السيادية والسياسية التي التقى جلالته مع أركانها.
أما المحطة الثانية فكانت اللقاء التشاوري في الرياض الذي ضمّ دول مجلس التعاون + مصر والأردن فيما بدا كأنه مجموعة عمل تحضيرية لقمة القاهرة، وهو يكاد يكون خطوة غير مسبوقة، فلم يُعتد أن تسبق القمم العربية العادية وغير العادية اجتماعات عربية محدودة العدد ومحددة الهدف، وهو ما يعكس وجود إرادة عربية لإنجاح الهدف الرئيس المتمثل في عرقلة التهجير ونزع الذرائع الانسانية التي يحاجج بها البعض لتوفير ملجأ آمن لحياة غير خطرة لسكان القطاع.
يناقش تقدير الموقف التالي المشهد العام الذي عقدت فيه القمة، ويسلط الضوء على أبرز ملامح الخطة المصرية، ويحاول بيان الجدوى العملية لهذه الخطة التي تأتي واحدة من حلقات الاشتباك العربي مع القضية الفلسطينية.