تشرين الثاني 12, 2019

 “جدل تطوير المناهج الدراسية: تشخيص ومقترحات”  

 ملاحظة: للاطلاع على كامل الورقة حمل الملف المرفق  

– عقد مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الاردنية، الأربعاء الموافق السادس من تشرين الثاني – نوفمبر/ 2019 ، ندوة بعنوان :

“جدل تطوير المناهج الدراسية: تشخيص ومقترحات”،

 قدمت فيها ثمانية أوراق عمل.

وقال مدير المركز الدكتور زيد عيادات إن “الدراسات الاستراتيجية” ينظم هذه الندوة من خلال منتدى السياسات العامة في المركز، بهدف إنشاء نقاش علمي متخصص وعام يتوصل المشاركون من خلاله إلى بناء وجهات نظر تساعد في التخطيط والتفكير للمناهج، كما تنتقل بالجدل العام إلى حالة تساعد المواطنين والمهتمين على الإحاطة بأبعاد الموضوع ومعطياته الأساسية. 

وأضاف من أهداف الندوة أيضًا مساعدة صانع القرار على تصميم واتخاذ القرار بناء على أسس علمية موضعية وإحاطة حقيقية بجدل الرأي العام وتفاعلاته. 

وتضمنت الندوة جلستين الأولى جاءت تحت عنوان “تطوير المناهج الدراسية: التشخيص والرؤية”، وترأسها وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي، والثانية كانت حول “تطوير المناهج الدراسية: مقترحات وتوصيات” وترأسها الوزير الأسبق عبدالله العويدات.

 الجلسة الأولى تطرقت إلى عدة مواضيع، منها: التوافق والشراكة الوطنية، وتطوير المناهج التنفيذية، والاقتباسات ومتطلبات جودة التأليف، والتحكيم (موسعات التحكيم)، فضلًا عن التجريب الاستطلاعي (التجريب الجيد) والتجريب الكلي.

وأشار النعيمي إلى “وجود عوامل تؤثر على المناهج، منها ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعية”، قائلًا “إنه يجب الاعتراف بأن هناك قوتين تشكل الاستقطاب الأيديولوجي، هما بناء الفرد وتطوير الفرد”.

وتساءل النعيمي “لماذا المركز الوطني لتطوير المناهج “مرجعيته” رئاسة الوزراء وليس وزارة التربية والتعليم؟”.

وتطرق المشاركون في هذه الجلسة إلى “الجدل” الدائرة حول المناهج، موضحين أن الخطة التي وضعت لتطوير المناهج “ليست حكيمة”.

وعزوا أسباب “التراجع الكبير في مستويات الطلبة إلى المدارس الخاصة والحكومة، في الوقت نفسه”، متسائلين عن “دور وزارة التربية والتعليم في عملية تطوير المناهج”.

وأشار المشاركون “تأثير البنك الدولي على عملية التعليم”.

إلى ذلك، قدم وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور عزمي محافظة، ورقة عمل بعنوان “رؤية المجلس الأعلى للمناهج”، تحدث فيها عن بناء وطبيعة المناهج. 

وقال إن تعديل المناهج لم يقتصر على مادة الرياضيات بل شمل كل المناهج، مضيفًا أن المركز الوطني لتطوير المناهج ناقش كتابي الرياضيات والعلوم، ومقارنتها بالمناهج العالمية. 

وأشار محافظة إلى أنه تم اختيار شركة “كولينز”، مشيرًا إلى تحديات عامل الوقت وضعف التدريب. 

وأوضح محافظة “أن المركز يعتمد على لجان فقط من أجل المناهج، التي أصبحت تابعة لوزارة التربية والتعليم التي أقرت الكتب المدرسية”، لافتًا إلى “أن الكتب ليس مترجمة على (CD)، فيما يوجد دليل معلم و(CD) مترجم”. 

فيما أشار وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور إبراهيم بدران، في ورقة عمل تحت عنوان “المناهج الدراسية القائمة: التحديات والخلل”، إلى الاخفاقات التي واجهت المناهج التربوية، وأولويات المعلم، قائلًا “إن هناك مشاكل وعقبات وتحديات في عملية بناء المناهج”.

وبين بدران “أنه لا يجوز غض النظر عن الدراسات الدولية، فالحديث عن الدراسات الدولية يقود إلى الحديث عن الدراسات الوطنية”، قائلًا “لا توجد جهة أردنية ان التعليم متقدم، بل هو في تراجع”.

وأشار بدران إلى “مسألة تسييس التعليم”، مؤكدًا أهمية “تمويل التعليم. والمشكلة هو الكتاب وليس المنهاج”. 

من جانبه، لفت رئيس لجنة التربية والتعليم النيابية إبراهيم البدور، في ورقة عمل بعنوان “رؤية نيابية للمناهج”، إلى “وجود قصور في عملية توصيل الرسالة إلى الناس بشكل عام. 

وأكد البدور “وجود إشكاليات في الكتب أو المناهج الجديدة، من حيث القراءة وآلية تدريب المعلم على المناهج الجديد”، في حين أشار إلى “ضرورة أن تكون الإدارة قادرة على مواجهة الأزمات” في حال  حدوثها، مع التركيز على أهمية الإعلام. 

وشدد البدور على ضرورة أن يكون هناك تقارب وتوافق ما بين القطاعين العام والخاص بشأن عملية تطوير المناهج، والعمل على تقليص الفجوة بين الجانبين بهذا الشأن، مؤكدًا في الوقت نفسه أهمية مواكبة التطور في العلوم الإنسانية. 

من ناحيته، ركز أستاذ المناهج في كلية العلوم التربوية بالجامعة الأردنية، وعضو اللجنة الاستشارية للمجلس الأعلى للمناهج، الدكتور رمزي هارون، خلال ورقة عمل بعنوان “الإطار العام للمناهج”، على الجوانب الفنية المتعلقة في المناهج، مؤكدًا أهمية الشراكة والتحكيم في عملية تطوير المناهج. 

وأكد هارون على أهمية “المنظور المعرفي”، الذي يُركز على اكتساب المعرفة وكيفية تعلمها، ومن ثم تطبيقها، مشيرًا إلى ضرورة التركيز على تعديل المناهج وليس الكتب. 

إلى ذلك، تحدث المشاركون، في الجلسة، عن مخرجات وتوسيع التعليم، قائلين “إن هناك  مشكلة مزمنة في المناهج بشكل عام، فضلًا عن عدم مراعاة الفروق الفردية”.

وأكدوا أهمية التطبيق العملي في عملية التعليم، والتركيز على قدرة الطالب على الإبداع.

الدكتور سارة عبابنة تساءلت “ما هو نوع التغير المطلوب؟”، خصوصًا ونحن نعلم بأن “خصخصة التعليم أدى إلى تدمير التعليم”، مؤكدة ضرورة دور وزارة التربية والتعليم.

من جهته، أكد الدكتور يوسف السوالمة أهمية التطوير من أجل مواجهة التغيرات والاهتمام بالكيف ومهارات الحياة والتكنولوجيا، قائلًا إن نجاح التطوير يرتبط بشكل وثيق مع الدراسات العلمية وإعطاء وقت كافي لهذه العملية، والتركيز على التغذية الراجعة والاستفادة منها.

وأشار السوالمة إلى التحديات التي تواجه عملية التطوير، والتي من أهمها: تقديس القديم، فضلًا عن نقد غير موضوعي إلى درجة يمكن وصفه بـ”تطرف” في النقد.

في حين قال الدكتور سلمان القادري إن تطوير المناهج “ضعيف”، إذ يجب أن يكون هناك تقييم قبلي وختامي وتتابعي”، مبينًا أن التفكير يجب أن يركز على المهارات.

وبينما تساءل الوزير الأسبق سلامة النعيمات “لماذا تأخرنا نحن، وتقدم غيرنا؟”، قالت الدكتورة جمانة أبو حجلة “هل هناك قرار استراتيجي لوضع مناهج جديدة”، مؤكدة ضرورة أن يكون هناك تدريب مكثف للمعلمين والمعلمات قبل بدء عملية التدريس.

الأستاذ عيسى نشوات قال إنه مع تغير المعرفة في هذه السرعة، هل نحن بحاجة للمعرفة أو للمهارة؟، وبالتالي كيف نُهيأ الطفل للتعامل مع المستقبل”.

الصحفية أسماء فرحان أشارت إلى “وجود خلل إداري في المناهج”، متسائلة “أين رقابة مجلس النواب على ما جرى من تعديل على المناهج؟”.

وفي نهاية الجلسة الأولى، خرج المشاركون بعدة توصيات ركزت على ضرورة أن يتناول “المركز الوطني” المناهج بنظرة شمولية، شريطة عدم تجاوز الآخر، مؤكدين أهمية التعليم والتدريب والتطوير.

وفيما أكدوا ضرورة أن يكون هذا الإصلاح “تدريجيًا”، قالوا إن هناك إشكاليات حول المركز ووزارة التربية.

وأوصوا بضرورة أن يكون للمركز الوطني دليل لضمان جودة الكتب والمناهج، لافتين إلى أن هناك اهتمام بالأردن في التعليم ولكن لا يوجد اهتمام بالمناهج أو الكتب. 

أما الجلسة الثانية، التي جاءت تحت عنوان “تطوير المناهج الدراسية: مقترحات وتوصيات”، وترأسها الوزير الأسبق عبدالله العويدات، حيث أشار إلى “أن المعلمين لم يحصلوا على التدريب الكافي. وان كتابي الرياضيات والعلوم كتب مترجمة”، قائلًا “نحن أمام مأزق”.

من جانبه، أشار نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، الذي قدم ورقة عمل بعنوان “المعلمون والمجتمع والمناهج”، استطلاع أجراه “الدراسات الاستراتيجية” حول المناهج، حيث أظهر أن 43.5% من الأردنيين يعتقدون بأن المناهج لا تتناسب مع قدرة الطلبة وأعلى من مستوياتهم ، بينما رأي 30.8% بأنها تتناسب مع قدرة الطلبة بدرجة متوسطة، ما يدل على أن المجتمع يتابع المناهج إلى درجة الحكم بهذه الدقة على تناسبها من عدمه. 

كما أظهر الاستطلاع أن 63% سمعوا عن احتجاجات المناهج، الأمر الذي  يؤكد على وعي المجتمع ومتابعته لهذه القضية الوطنية، موضحًا أنه وحسب الاستطلاع فإن السبب الرئيس وراء الاحتجاج على المناهج “هو صعوبة المناهج وعدم قدرة الطلبة”، حيث بلغت نسبة أولئك 67.5%، ما يدل على “وعي دقيق وفهم عميق لمشكلة المناهج من قبل المجتمع الأردني”. 

وقال النواصرة إن 75.8% من الأردنيين أيدوا الاحتجاجات على المناهج، الأمر الذي يؤكد أن غالبية المجتمع الأردني ضد تعديلات المناهج الأخيرة، فيما أيد 65.2% أكدوا ضرورة أن تكون وزارة التربية والتعليم هي المسؤولة عن وضع المناهج. 

ولفت “صعوبة تدريس مناهجي الرياضيات والعلوم، وإنها فوق مستوى الطلبة، فضلًا عن عدم مناسبة الوقت المخصص لكل درس، مؤكدًا على ضرورة وجود مقرر سابق لهذا المقرر يّمهد له في مرحلة رياض الأطفال. 

وأوضح النواصرة أن نقيب المعلمين السابق المرحوم الدكتور أحمد الحجايا “لم يوافق على منهاجي العلوم والرياضيات، وكذلك نحن”، مشيرًا إلى نتائج دراسة اللجنة، التي شكلها وزير التربية والتعليم السابق، للنظر في هذين المنهاجين، حيث تم توثيق 60 صفحة من الملاحظات، تفاوتت بين الحذف والاستبدال والتعديل. 

وأعرب النواصرة عن استغرابه من أن وزارة التربية والتعليم “لم تعمم سوى 6 صفحات فقط من التقرير”، مشددًا في الوقت نفسه على “أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال طرح أو مناقشة الاستغناء عن الإطار العام للمناهج، كما تطلب شركة كولينز”. 

وتساءل “كيف يمكن مراعاة الأبعاد القيمية والوطنية والثقافية والبيئية والتاريخية والدينية في المناهج عند استبعاد الإطار العام للمناهج”، قائلًا “إن أساس المشكلة في منهاجي العلوم والرياضيات، وسببها التأليف بدون مرجعية الإطار العام للمناهج”. 

كما تساءل النواصرة “لماذا يُصار إلى الشركات الأجنبية، رغم أن الشركات المحلية قادرة على إنتاج ما هو أجود من إنتاج شركة كولينز، بالإضافة إلى أننا لسنا بحاجة إلى ترجمة ركيكة”.

وتساءل أيضًا “أين فلسطين في مناهجنا؟. لن تعود فلسطين المحتلة حتى تعود تّدرس كقضية أمة وشعب مظلوم وأنها وقف إسلامي”. 

وأوصى النواصرة بضرورة إعادة المركز الوطني لتطوير المناهج إلى حاضنته الأم، وزارة التربية والتعليم، وارتباطه إداريًا بها، مؤكدًا أهمية إعادة تشكيل هذا المركز من خبراء في المناهج وعاملين بالميدان بعيدًا عن المراكز السياسية. 

ودعا إلى إنشاء بنك خبرات وطني، وتكليف أصحاب الخبرات في لجانه من الميدان التربوي، فضلًا عن سن تشريع خاص بالمركز الوطني يحفظ للوطن قيمته وعقيدته وتراثه الفكري والتاريخي. 

وأكد النواصرة أهمية مبدأ التحكيم والتشاور قبل إصدار أي وثيقة أو كتاب، وتأجيل تطبيق أي منهاج وكتب للمواد للعام المقبل، وعدم تعميم تدريس أي مقررات جديدة قبل تجربتها على عينة ممثلة من المدارس. 

وقال إنه يجب إقرار مبدأ المساءلة لكل من عمل في المناهج، وضرورة نص ذلك في نظام المركز، مشددًا على ضرورة إشراك نقابة المعلمين في عملية وضع المناهج، فهم الأقدر على فهم المراحل النهائية وحاجات الطلبة ومستوياتهم. 

كما أكد النواصرة أهمية مرجعية الإطار العام والأطر الخاصة لكل مقرر عن التأليف، موضحًا “أن أي تأليف لأي مقرر بعيدًا عن الإطار العام وفلسفة وزارة التربية والتعليم يعتبر مخالفًا لقانون التربية والتعليم، ويستوجب المسائلة”. 

وفيما يتعلق بمقررات العلوم والرياضيات للصفين الأول والرابع الأساسيين، أوصى النواصرة بسحب المقررات من الطلبة، وتكليف المعلمين بتدريس المنهاجين من خلال تحقيق النتاجات الخاصة لكل مبحث، لافتًا إلى أهمية ترك المعلم اختيار الوسائل والأمثلة المناسبة بحيث تتحقق الأهداف والنتاجات. 

بدوره، قال الدكتور ذوقان عبيدات، في ورقة عمل تحت عنوان “تطوير المناهج: الضرورات والضوابط”، إن الإطار العام للمناهج “كان بامتياز،  وساهم فيه أكثر من جهة (جامعات ووزارة التربية والمركز الوطني)”، مؤكدًا أنه “لا يستطيع أي شخص أن يضيف حرف واحد مخالف لثوابت الأمة”. 

وأضاف “احتفظ الإطار العام بالثوابت الأساسية الثلاث، الإيمان بالله ورسوله  وكتبه، وأن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية، وعن تحرير فلسطين وحرية الفرد والهوية”، لافتًا إلى “أن رسالة المركز تركز على بناء شخصية الفرد”. 

ومن مميزات الإطار العام، حسب عبيدات، أنه يتضمن مفاهيم عابرة للمواد، وأخرى حياتية، وكذلك بناء الشخصية والعمل، فضلًا عن أنه تحدث عن التفكير ببنية إنسانية وطنية.

كما تحدث الإطار العام عن معايير النتاجات التعلمية، حيث تم وضع مواصفات للكتاب الجيد، وأن المعرفة جزء من الخبرة، بالإضافة إلى أنه سيقوم على العوامل ونتاجات وتنقلات متوقعة، منها: من تعليم الحقائق إلى المفاهيم، من الحلول الجاهزة إلى ابتكار الحلول، من استهلاك المعلومات إلى إنتاج المعرفة، من الإسراف في الاعتقاد إلى الاقتصاد في الاعتقاد.

وتابع عبيدات “أن المناهج ستنقلنا من الأساتذة إلى التلمذة، من بناء الهوية إلى  بناء الذات والهوية، من السردية إلى الحوارية، من الأسلوب الواحد إلى أساليب متمايزة”. 

من جهته، قدم رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتور إرحيل غرايبة ورقة عمل بعنوان “الرؤية القيمية لتطوير المناهج الدراسية”، تضمنت محاولة لوضع معالم رؤية قيمية شاملة لوثيقة المنهج التربوي الأردني، حيث ما يزال يشهد جدالاً محتدماً في أوساط الشعب الأردني، وبين يدي الرؤية القيمية لا بدّ من الإشارة إلى بعض القضايا. 

وقال إن وثيقة المنهاج الرئيسة هي إحدى أدوات بناء الإنسان على نحو متكامل عقلاً ووجداناً وروحاً وبدناً، من أجل أن يكون قادراً على صناعة الحياة ومواجهة المشاكل بنجاح.

وأضاف غرايبة من المفترض أن المناهج التربوية ينبغي أن تنطلق من مجموعة مبادىء ومرتكزات عامة ليست محلاً للخلاف بين العقلاء، وينبغي اختيار مجموعة واسعة من أهل الاختصاص يحظون بالتمثيل الواسع والتوافق من جميع مكونات المجتمع وشرائحه المختلفة، ويحظون بالثقة الكبيرة والاحترام العميق من الأغلبية الواسعة من أفراد المجتمع.

وأكد ضرورة تجنيب المناهج التجاذبات السياسية والاختلافات الأيدولوجية والحزبية، والحفاظ على الضمير الجمعي للمجتمع، والبعد عن مسالك التطرف من مختلف الجوانب، مضيفًا أنه من الأفضل الابتعاد عن الشخصيات الإشكالية التي تثير الانقسام والتعصب، ولا تحسن تقبل الآخر.

كما شدد غرايبة على ضرورة الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى الناجحة في هذا المجال قديماً وحديثاً، دون أن يؤدي ذلك إلى ضياع هويتنا الثقافية الأصيلة والسمة الحضارية المميزة التي استقرت عبر مئات الأعوام.

وأشار إلى أهمية البناء على الجهود السابقة مع اتباع منهج التنقية والاستدراك القائم على التقويم العلمي الموضوعي، البعيد عن المنهج الانطباعي أو الصيحات الفردية الانقلابية والمنطق الاتهامي الراديكالي الثوري، الذي يؤدي إلى خلق صراع مجتمعي لا يحمد عقباه، والبعد عن منهج الإثارة والتعبئة، والبعد عن مسلك الشعبوية في تناول قضايا المنهج.

وقال غرايبة إن التراث العربي الإسلامي يمثل ثروة هائلة وكبيرة وغنية لشعوبنا وأمتنا، وهو محل احترام وتقدير كبيرين وهو موضع استفادة عظمى وفق معيارين، الأول: أن التراث ليس مقدساً ولا معصوماً، فيه صفحات ناصعة ومشرقة، وفيه نقاط سوداء وعمياء وأخطاء، فلا يؤخذ كله ولا يترك كله. أما الثاني: التراث ليس عبئاً، ولا ركاماً أسود كما يصوره البعض، بل هو محل فخر واعتزاز، وفي الوقت نفسه محل نقد ودراسة وتقويم، ويشكل مصدراً مهماً من مصادر المعرفة والعلوم.

وتابع أن شخصياتنا التاريخية محل احترام وتقدير وعناية ونحتفي بهم، كما تحتفي الأمم بعظمائها، لأنهم يشكلون منارات للأجيال ومصدراً للإلهام ومحلاً للاقتداء دون مبالغة أو تهويل، فنحن امتداد لأمة موغلة في أعماق التاريخ لها حضارتها وإنجازاتها وإسهاماتها التي تستحق الاعتزاز والفخر.

وزاد غرايبة نحن بحاجة إلى غرس الثقة في نفوس الناشئة بأمتهم وحضارتهم وتاريخهم وثقافتهم، حتى لا نجعل منهم أجيالاً منبتة كهشيم تذروه الرياح، بلا جذور ولا هوية ولا انتماء، لأن ذلك يشكل أكبر تهديد لمستقبلهم عندما نصنع منهم مجاميع ضائعة لا تستند إلى تاريخ، ولا تتصل بماضٍ تليد.

وأكد أهمية إثارة الحماسة في نفوس الأجيال، من أجل التطلع نحو إعادة البناء وإعادة المنافسة في ميدان التحضر الإنساني، الذي لا يحترم الضعفاء ولا يقيم وزناً للتائهين على أرصفة الحضارات القائمة، والمتسكعين على أبواب الأقوياء.

وأوضح غرايبة أن الإسلام يعد مورداً عظيماً من موارد الأمة الحضارية الكبرى، وهو يمثل مجموعة من المبادىء العامة والقواعد الراسخة ويمثل منظومة من القيم النبيلة الرائعة.      

وزاد نحن كنا نتمثل هذه المبادىء والقيم عبر مراحل التاريخ، وهذا التمثل عبارة عن جهد بشري وإنجاز عملي تطبيقي، وصل إلى بعض مراتب النجاح والتفوق في بعض المراحل وأخفق في مراحل أخرى، مبينًا “نحن في العصر الحاضر علينا أن نرصد هذه التجارب ونقف على محطات النجاح والاخفاق في مسيرتنا الطويلة بشجاعة وانعام نظر”.

وأكد غرايبة، في هذا السياق، ضرورة تحرير الإسلام من وصاية الأنظمة السياسية وأصحاب السلطة، حتى لا يكون وسيلة لإخضاع الشعوب للظلم والاستبداد.

كما أكد ضرورة تحرير الإسلام من وصاية الجماعات والأحزاب كلها، المتطرفة وغير المتطرفة، من منظور أن الإسلام إطار حضاري للأمة كلها وسجل تاريخي لها بكل مكوناتها، وهو عامل وحدة وقوة ورفعة وليس محلاً للفرقة أو اصطناع المواجهة بين مكونات الأمة الواحدة.

وذكر أن الإسلام هو عامل نهوض حضاري شامل، بعيد كل البعد عن إثارة النعرات الدينية والطائفية والمذهبية، لأنه استطاع أن يصهر الألوان والأعراق والشعوب والأمم في بوتقة حضارية إنسانية واسعة من خلال النداء الخالد: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، ومن خلال النداء: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.

وقال غرايبة إن البعد القيمي في المناهج التربوية، من أهم الأبعاد المطلوبة التي ينبغي أن تكون محلاً للعناية، لأن منظومة القيم هي التي تمثل المحور الأساسي في عملية بناء الإنسان، والتي تشكل المعالم الأكثر أهمية للشخصية المطلوبة.

وأضاف أن التفاوت بين شخص وشخص وبين شعب وشعب وأمة وأمة، يعتمد غالباً على الفارق في تمثل منظومة القيم على نحو فردي وجماعي في المجتمع والدولة.

وتابع غرايبة أن النظرة القيمية، ينبغي أن تتم من خلال استقراء نقاط الضعف ونقاط الخلل في الشخصية الأردنية والعربية، وربما يظهر حجم التباين الكبير في تقدير حجم جوانب الخلل من شخص إلى شخص ومن نخبة إلى نخبة، ومن مرحلة إلى أخرى.

وأشار إلى أنه يمكن رصد هذه الجوانب في الشخصية الأردنية على النحو التالي: الجانب الأول المتعلق بقيم التفكير العلمي واكتساب الشخص المنطق والمنهج الناقد، على طريق بناء الشخصية المستقلة التي تملك مهارة التعامل مع الوجود بطريقة علمية.

والجانب الثاني: القدرة على إحداث التوازن بين الفردية والجماعية، وفي هذا السياق أعتقد أن هناك مبالغة في الفردية التي تصل إلى حد الأنانية المفرطة، وضعف في الإحساس الجماعي والتكيف مع المجتمع، واكتساب مهارة التعاون مع المحيط، فضلاً عن الوصول إلى مرحلة التنسيق المنظم ومن ثم إلى التكامل، ومن الملحوظ ذلك الضعف المستشري في بناء الشبكات المجتمعية القادرة على ممارسة الحياة الجمعية، والاستغناء عن دور الدولة الريعية حتى تكون المجتمعات قائمة بذاتها ومحققة الحد الأدنى من الاستقلال المعيشي.

والجانب الثالث: القيم المتعلقة بالشخصية الانتاجية، بمعنى أن هناك وضوح في استشراء الشخصية الاستهلاكية وثقافة الاستهلاك والاستغراق فيه وغياب ثقافة العمل وثقافة اكتساب المهنة، ومن ثم الذهاب نحو ثقافة الاقتصاد والتدبير على صعيد الشخص والأسرة والحي والقرية.

والجانب الرابع، يتعلق بالانتماء الوطني، فمن الملاحظ أن الساحة السياسية والثقافية شهدت في الأعوام السابقة ضعف في منظومة الانتماء الوطني، وحب الوطن لحساب الانتماءات الواسعة على الصعيد القومي العربي، أو الإسلامي أو الأممي.

والجانب الخامس: منظومة قيم التحضر والفن والذوق والجمال والقيم القائمة على دقة الشعور ودقة الإحساس بمشاكل الآخرين، واحترام آرائهم وصيانة كرامة الآخر، واتقان أدب الحديث وآداب الحوار والاختلاف وآداب الجوار والزمالة والعمل.

والجانب السادس: المتعلق بقيم الوحدة وردم الفجوة بين شرائح المجتمع ومكوناته.

وقال غرايبة إن الإطار القيمي في الأعم الأغلب ينبت في الوجدان الجمعي وينغرس في النفوس ويترسخ من خلال معايشة القيم، مضيفا أنه يمكن معالجة الأفهام الخاطئة والمفاهيم المغلوطة وتعظيم القيم الإيجابية.

وبالنسبة للدين، أوضح غرايبة أنه يشكل عاملاً مهماً من عوامل تسهيل ترسيخ القيم الإيجابية بعيداً عن المنهج الطائفي المتعصب، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد نظام تعليمي موّحد على صعيد القطاع الحكومي يتم من خلاله صهر الجيل في بوتقة واحدة متشابهة، وبناء ثقافة موّحدة ورؤية موّحدة.

والجانب السابع: قيم الحرية والتحرر والقيم المتعلقة بحقوق الإنسان وحق الشعوب بتقرير المصير والديمقراطية، التي تعزز قيم العدالة والمساواة تحت مظلة القانون، والقدرة على الاختيار والانتخاب بعيداً عن الانتماءات الجهوية الضيقة، وبعيداً عن التعصب الجهوي والديني والمذهبي والعرقي.

وأكد غرايبة أنه لا طريق لذلك إلّا من خلال المعايشة في واقع صحي وسليم تنتفي منه هذه الأمراض انتفاءً مطلقاً. 

من ناحيته، قال عميد كلية الامير الحسين بن عبدالله للدراسات الدولية الدكتور محمد القطاطشة، في ورقة عمل حول “المناهج التدريسية: حوار الداخل والخارج”، “إنه لا يعتقد بأن المناهج الوطنية كانت سيئة، ولا بحاجة إلى تغيير”.

وأضاف “أن المسيطر على حركة التعليم هو الاتجاه أو التيار الإسلامي”، لافتًا إلى أنه “عندما نتحدث عن التعليم نتحدث عن الطبقة الوسطى”. 

ورغم إقرار القطاطشة “أن هناك مشكلة في تحديد الإطار العام للمناهج”، إلا أنه أوضح “بأن هناك آياد تريد خلخلة المناهج دون الوصول إلى حل”. 

وأكد أهمية “أن يكون هناك تنسيق ما بين الاطار العام للمناهج والمناهج العالمية”، موصيًا بضرورة “الاستعانة بالخامات الوطنية، ومنها نقابة المعلمين، عند تعديل المناهج”. 

وأعرب عن اعتقاده بأن “الدعم الخارجي عادة ما يكون مشروطًا في تغيير المناهج”، مشيرًا إلى العولمة ومدى تأثيرها على جميع التغيرات التي تحدث في مجتمعنا. 

إلى ذلك، تساءل المشاركون في هذه الجلسة “حول وضع فلسفة الاطار العام للمناهج”، داعين إلى ضرورة تفسير هذه الفلسفة وآلياتها. 

وقالوا إن هناك تركيز على مادتي الرياضيات والعلوم، مضيفين “أن فكرة ترجمة كتابي العلوم والرياضيات فكرة قديمة متجددة”. 

كما تساءل المشاركون “لماذا لا يوجد رسم للجهاز التناسلي في المناهج؟، وكيف يتم تطبيق الإطار النظري على الواقع؟”، لافتين في الوقت نفسه إلى أنه “لا يوجد نظام كامل لانضباط الطلبة”. 

النواصرة أكد “نحن ليس ضد الثقافة الجنسية، لكن يجب أن يكون هناك  تهذيب في هذه المرحلة”. 

وكان مركز الدراسات الاستراتيجية قال، خلال بيان في بداية الندوة، إن المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية تشكل الركن الأساس والأكثر أهمية في العمليات التعليمية، إلى جانب المعلمين والمؤسسات التعليمية. 

وأضاف زادت أهمية المناهج الدراسية بفعل التطورات الكبرى في التكنولوجيا كالحوسبة والشبكية، والتي ألقت بظلال ثقيلة على العملية التعليمية وفلسفتها ورسالتها. 

وتابع المركز كما زادت ضرورات مراجعة المناهج وتطويرها، بل وأيضا إعادة النظر في فلسفتها ورؤيتها المنشئة لتتفق مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تغير اليوم وفي المستقبل في الأعمال والاحتياجات والأولويات للأمم والأفراد والدول. 

وأوضح تقدمت أهمية رأس المال البشري (بما هو المهارات المعرفية والحياتية والصحية للمواطنين) في التنمية والاقتصاد لتمثل الأولوية الأساسية في التنمية والإصلاح، كما تعرضت الأعمال والمهن والأسواق لتغيرات كبرى تفرض إعادة النظر في المناهج التعليمية لأجل إعادة تأهيل التلاميذ وفق المتطلبات والتحديات الجديدة، وتتيح الشبكية والتكنولوجيا المتقدمة اليوم فرصا جديدة في تطوير العمليات التعليمية ومنها المناهج بطبيعة الحال على نحو يقلل الكلفة ويمكن التلاميذ والمواطنين من التعليم الذاتي والمستمر، ويفعل دور الفرد والأسرة في المشاركة في العمليات التعليمية؛ ما يستدعي إعادة النظر في بناء وتوزيع المناهج التعليمية بما يتفق مع الأدوار والفرص الجديدة. 

وأشار “الدراسات الاستراتيجية” إلى أن المناهج التعليمية في الأردن تواجه تحديات أخرى تخصها، إذ تظهر تقارير البنك الدولي ضعف قدرات التلاميذ على التحصيل وامتلاك المعارف والمهارات الضرورية لبناء رأس المال البشري، فالتحصيل المعرفي للتلاميذ يقلّ في مستواه عن عدد السنوات الدراسية. 

كما تفتقر نسبة كبيرة من التلاميذ في السنوات الدراسية الأولى إلى المهارات الأساسية المفترضة، ولا تملك نسبة كبيرة من المعلمين الكفاءة الكافية لاستيعاب المناهج وتعليمها، وتتخرج نسبة كبيرة من الطلاب من الثانوية العامة بقدر من المعرفة والمهارات يقلّ كثيرا عن متطلبات العمل والدراسة الجامعية، حسب المركز. 

وتتحول قضية المناهج بفعل الدور الجديد والمؤثر لشبكات التواصل الاجتماعي إلى قضية رأي عام تشغل اهتمام فئات واسعة من المواطنين، وتتداخل في ذلك الإشاعات والمصالح والآراء ووجهات النظر على نحو يعقّد الجدل الدائر في الموضوع، وربما يعوق فرصة العمل المؤسسي والعلمي لمراجعة وتطوير المناهج، لكنها حالة تمنح فرصة عظيمة لتحويل المناهج إلى قضية وطنية يشارك في الجدل حولها جميع المواطنين، كما أنها يمكن أن تكون أيضا ممارسة عملية في الديمقراطية والانتخابات، وإدارة  وتنظيم المجال العام. 

وحول موجة الاحتجاج والنقد حول المناهج الجديدة للصفين الأول والرابع في ماديت العلوم والرياضيات، اجرى مركز الدراسات الاستراتيجية استطلاعا للرأي حول الموضوع، وقد أظهر الاستطلاع أن 37 في المئة يعتقدون بأن المناهج التدريسية في الوقت الحالي تتناسب مع قدرات الطلبة الفكرية والذهنية، في حين رأى 43 في المائة بأنها أعلى من مستواهم.  

وذكر 47 في المئة أن المناهج تتفق مع الثقافة والعادات والتقاليد الأردنية في حين أجاب 29 في المئة بأنها لا تتفق. 

ويعتقد 39 في المئة من المجيبين بأن مناهج المدارس الخاصة أفضل من مناهج المدارس الحكومية، مقابل 28 في المئة يرون المناهج الحكومية افضل، في حين لا يرى 24 في المئة فرقا بين المدارس الخاصة والحكومية. 

وذكر 63 في المئة أنهم يعرفون عن الاحتجاجات على المناهج الجديدة في حين أحاب 37 في المائة أنهم لا يعرفون، ومن بين الذين يعرفون أجاب 69 في المائة بأنهم يؤيدون المحتجين على المناهج الجديدة، وقال 77 في المائة من الذين يعرفون عن الاحتجاجات ان المحتجين هم من الأهالي، في حين قال 5 في المائة فقط إن المحتجين من المعلمين. 

وقال 68 في المائة من المحتجين إن سبب الاحتجاج هو صعوبة المناهج، وقال 8 في المائة إن سبب الاحتجاج هو مخالفة المناهج للدين والعادات والتقاليد. وطالب 65 في المائة من المحتجين بإسناد إعداد المناهج إلى وزارة التربية والتعليم