النشاطات الارهابية الأخيرة وتداعياتها الاستراتيجية

كانون الأول/ديسمبر 2015

شعبة الدراسات الاستراتيجية والأمنية

مركز الدراسات الاستراتيجية

الجامعة الأردنية 

شهدت الأسابيع الماضية نقلة نوعية في نشاطات الجماعات الإرهابية (القاعدة، داعش)، والتي تجاوزت منطقة الشرق الأوسط لتصل الى اوروبا وأفريقيا ومناطق أخرى، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال بعض العمليات الارهابية ذات الدلالة، وأهمها:

·       إسقاط الطائرة الروسية في سيناء يوم 31/10/2015. والتي تبناها تنظيم “داعش”وتمت بواسطة قنبلة وُضعت على متنها وأدت الى مقتل جميع ركابها.

·       عملية باريسوذلك يوم 13/11/2015، وأدت الى مقتل (140) شخصاً ومعهم المنفذين (5 أشخاص)، وشملت الهجمات ( مركز فنون باتاكلون + 3 مطاعم واستاد Stade de France  الرياضي).

·       عملية مالي. جرت يوم 20/11/2015 وكان مسرحها فندق “راديسون” في العاصمة بامكو، وأسفرت عن مقتل (22) شخصاً، وتبنتها جماعة “المرابطون” المرتبطة بـ  “القاعدة في المغرب الاسلامي.

·       عملية استهداف حافلة نقل مجندي الحرس الرئاسي في تونس. والتي جرت  يوم 24/11/2015 واسفرت عن مقتل (15) شخصاً وقد تبناها تنظيم “داعش”. 

·       عملية عدن. والتي جرت يوم 6/12/2015 واسفرت عن مقتل محافظ عدن وعدد من مرافقيه، حيث تبناها تنظيم “داعش”، كما تبنى قبلها بأيام  ثلاث هجمات على ثكنات للجيش في حضرموت.

·       السيطرة على مدينة “سرت” الليبية واعلانها عاصمة لداعش .  وقد جرى ذلك يوم 1/12/2015، وكانت قيادات التنظيم قد أصدرت تعليماتها بتوجيه المقاتلين الجدد الى ليبيا بدلاً من سوريا والعراق حسب ما ذكرته تقارير موثوقة.

·       عملية كاليفورنياتنفيذ هجوم مسلح في كليفورنيا/ San Bernardino يوم 4/12/2015 أدى الى مقتل (14) شخصاً بالاضافة الى المهاجمين الذين قتلتهم الشرطة، وهما زوجان من أصول باكستانية من مؤيدي التنظيم واكدت الشرطة أنها تتعامل مع حادث ارهابي.

موقف التنظيم في سوريا

ينشب قتال من حين لأخر بين “داعش” والقوات الكرديه خسر خلالها التنظيم عدة بلدات، كما ويتعرض لعمليات جوية روسية قاسية خسر خلالها عدد كبير من الكوادر والقيادات، كما خاض قتالاً واسعاً مع الجيش السوري في جنوب حلب، حيث انسحب مقاتلو التنظيم من مساحات واسعة وبلدات إستراتيجية دون قتال .

المؤشرات

*     عملية اسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء تحديداً تُمثّل تهديداً لحركة النقل الجوي الدولي. بكل ما يترتب على ذلك من تهديد للسلم العالمي، مما اجبر عدد كبير من الدول الى اعادة النظر بإجراءات الأمن المطبقة في مطاراتها.  

*     أدت عملية باريس الى تبلور ضغط شعبي ونخبوي من أجل تغيير استراتيجيات الدول الكبرى في محاربة الارهاب.  وبما دفع كل من المانيا وبريطانيا الى زج قواتمها الجوية في الحرب على الارهاب بعد فرنسا.

*     الانتكاسات العسكرية لـتنظيم “داعش” في سوريا والعراق  دفعت التنظيم الى خيار  العمليات الارهابية المنفردة في الخارج (العدو البعيد)وقد ظهر ذلك بوضوح في ريف حلب وما لحق من دمار بمنشآت النفط التي تسلط عليها التنظيم.

*     عملية باريس هي مؤشر رئيسي على تبني “داعش” لنظرية “العدو البعيد”. والتي روّجها وتبناها تنظيم القاعدة، وتقضي بــ “إعطاء اولويه لقتال الأعداء الخارجيين” وهم غالباً الدول الغربية ثم روسيا لاحقاً، علماً بأن التنظيم كان منشغلاً بالعدو القريب (سوريا والعراق) قبل أن ينتهي بالمأزق العسكري الحالي، والذي زاد في وطأته تدمير قسم كبير من مصادره النفطية من قبل القوات الجوية الروسية.

*     الصراع على مصادر النفط بات يشكل عاملاً رئيسياً في توجيه بؤر النشاط الارهابي  ويشمل ذلك (القاعدة وداعش)، كما ظهر في جنوب اليمن ومؤخراً في ليبيا بعد السيطرة على “سرت” واعلانها عاصمة للتنظيم، علماً بأن وزارة الدفاع الروسية (بيان 2/12/2015) قد قدّرت دخل داعش من النفط بحوالي (3) ملايين دولار يومياً.

*     العمليات العسكرية الأخيرة في سوريا عكست ضعفاً واضحاً في اداء مقاتلي “داعش” و”القاعده”. كما اظهرت عدم رغبة في القتال لديهم، مما قاد الى تراجع نسبي في تأثير اسطورة “الرعب والتوحش” التي عوّل عليها التنظيم سابقاً لإحداث انهيارات يتم توظيفها لتسهيل عملياته اللاحقة.

المغزى الاستراتيجي (Significant Strategic )

إن العودة لنظرية “العدو البعيد” تُمثّل اتجاه حتمي لتنظيم “داعش” وليس اختياري (Imperative Not an. Option)، وهي تأتي في سياق متكامل تتبلور مؤشراته تباعاً كما تشير التوقعات، واهمها:

·       إنكفاء للداخل وتراجع الرغبة في التمسك بالأرض التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق سابقاً.

·       حرمان التنظيم من “القاعدة الجغرافية” اللازمة لتحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل بممارسة سياسات وخطط “التمكين” لدولة الخلافة.

·       سيفقد التنظيم تباعاً مواقعه الاستراتيجية في المنطقة ((Strategic Spots بدءاً بمدينة ” الرقه”، مما سيدفعه نحو خيار “الإرهاب النوعي” البعيد.

·       ستشهد بؤر الصراع في سوريا والعراق تراجعاً في معدلات تدفق الارهابيين الأجانب، وعودة قسم كبير منهم الى بلدانهم (الأجانب)، سواء  بشكل فردي أو جماعي من أجل التفرغ  للنشاطات الإرهابية.

لقد اظهرت العمليات الأخيرة أن قرار التنظيم هو قرار مركزي، ومع ذلك يتم تنسيق القرارات مع عناصر التنظيم المقيمه في البلد المعني؛ خلافاً لتنظيم القاعده الذي كان يعمل كعنوان (Title)  يتم منحه بقرار مركزي للتنظيمات المحلية التي تثبت جدارتها عبر أعمال ارهابية نوعية.

نجح تنظيم “داعش” في إقامة “جسم إرهابي مستقل” يعمل خارج الحسابات الإقليمية ويدار بعيداً عن اعتبارات الحلفاء الاقليميين، وهذا ما أكدته عملية باريس.     

اعلان “سرت” كعاصمة لتنظيم داعش هو بمثابة تسليم بحقيقة “أن مغادرة الرقه قد باتت مسألة وقت “، الأمر الذي ينطوي على أهمية وأبعاد استراتيجية مختلفة، وذلك من حيث:

·       المصادر النفطية الليبية الضخمة وتوفر مجال واسع للتصدير عبر البحر المتوسط .

·       تهديد استراتيجي لجنوب اوروبا وايطاليا تحديداً.

·       بؤرة “إشغال واستنزاف” لمصر بقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية واقتصادها.

·       مركز اقليمي للإرهاب في شمال افريقيا وكذلك مركز (تجنيد، تدريب وخبرة ) للإرهابيين على مستوى العالم .

الموقف الدولي

لم يُظهر المجتمع الدولي موقفاً حازماً أمام التهديد الارهابي، وبشكل بات يوحي بوجود قوى معطِّلة تعمل على تفريغ اي قرارت دولية ذات علاقه من مضامينها الفعلية، وذلك عبر (الاستغراق بالتفاصيل، تجنب أي بنود مُلزمة، بالاضافة الى التحايل عبر اللعب مع التنظيمات الارهابية من نوافذ خلفيه.

القرارات الأخيرة التي صدرت عن قمة العشرين الأخيرة في تركيا الداعية الى (الحد من حركة الارهابيين، مواجهة التحريض الالكتروني، تعزيز الأمن الجوي والملاحقة المالية )، وكذلك قرار مجلس الأمن بتاريخ ( 21/11/2015) الذي يطالب الدول بإتخاذ الإجراءات ومضاعفة الجهود وتنسيق المبادرات لمنع ووقف “الأعمال الإرهابية” لتنظيم “داعش” والقاعدة، هي بمجملها قرارت تخلو من اي بنود ملزمة.

القراءة الأمريكية للحرب على الإرهاب تتسم بالتردد وعدم الوضوح، وهي تستند الى الخطوط العريضة التالية:

·       المراهنة على عزل روسيا وعرقلة اي مسعى لتوسيع الحلف الروسي لمحاربة الارهاب، والعمل على توريط روسيا بحرب استنزاف طويلة.

·       موقف غامض تجاه بقاء أو إطاحة الرئيس الأسد كشرط لحل الأزمة السورية.

·       استبعاد بذل اي جهد اضافي تجاه الملف السوري.

بالمقابل فإن القيادة الروسية وبالرغم من أعباءها الاقتصادية (12% تضخم و4% تراجع في الناتج المحلي الإجمالي) لا زالت ترى بأن لديها ما يكفي من مقومات النجاح، وعلى رأسها الحلفاء الفاعلين على الأرض (سوريا، ايران وحزب الله)، وكذلك “القوات البرية السورية” القادرة على استثمار نتائج العمليات الجوية الروسية.

الاستنتاجــــــــــات

*     فقدان الحلفاء الاقليميين وإضطرار بعضهم الى التنصل من العلاقة مع “داعش” ، قد يدفع التنظيم الى  تبني خيارات “الزرقاوي” في ممارسة الارهاب النوعي في دول المنطقة وخارجها.

*     حادث الطائرة الروسية يمثل مرحلة جديدة من حيث تهديده لحركة السفر والنقل الجوي، وهو قابل للتطور بحكم توفر أدواته وخصوصاً صواريخ الكتف الموجّهة وغيرها.

*     الطائرات المدنية تعتبر من الأهداف “السهلة والموجعة”، كما أن هنالك صعوبة بالغه في تأمينها.

*     هنالك ثغرات في التشريعات الدولية المتعلقة بمواجهة التهديد الإرهابي من حيث أساليب التعامل وملاحقة الارهابيين أمنياً وقانونياً، بالإضافة الى إهمال المعايير الأمنية عند صياغة الاتفاقيات المتعلقة بتنسيق وتسهيل حركة تنقل المواطنين والبضائع. 

*     لم تعد آليات التنسيق الحاليه بين الدول والأجهزة الأمنية مُجدية في ظل الإمكانيات الالكترونية المستخدمة لدى الارهابيين، مما يتطلب تجاوز الأطر التقليدية واعتماد العمل التشاركي (Integrated Systems) الذي يشمل قواعد وشبكات المعلومات والاتصالات.

خلاصة القول فأن كل المؤشرات تقود الى الاعتقاد بأن الحرب على الإرهاب ستكون طويلة ومكلفة، وقد تنشب على هامشها صراعات إقليمية من شأنها تهديد الأمن  والاستقرار الدولي، مما يتطلب موقف دولي مسؤول يتم تطويره الى نهج فاعل ومستدام (Sustainable) لمواجهة التهديد الارهابي، وليس الاكتفاء بمظاهر الاهتمام والزخم الذي تثيره بعض العمليات الارهابية ثم لا يلبث ان يخبو بمرور الوقت