أيلول 07, 2016

         “وصلنا إلى مرحلة تخضع فيها دولٌ عديدة في منطقتنا إلى حكم المليشيات والعصابات المسلحة”.

       البخيت يدعو إلى التمسّك بخيار الدولة المدنيّة، لحماية الدين نفسه من ألاعيب السياسة.

        البخيت يرى بأنّ الربيع العربي أثبت وهم استنساخ تجربة الإسلام السياسي التركي في العالم العربي.

       رئيس الوزراء الأسبق يرى بأنّ التيارات الليبرالية عاجزة ولا تمتلك رصيداً شعبياً

       رئيس الوزراء الأسبق يرى بأنّ الأردن تجاوز استحقاقين على مستوى عالٍ من الخطورة، الربيع العربي والأزمة السورية

     يحلّل د. معروف البخيت، رئيس الوزراء الأسبق، تطورات المشهد الإقليمي والمتغيرات الجديدة فيه، وناقش انعكاساتها على الأردن ومصالحه وأمنه الوطني، والتحديات الخارجية والداخلية التي يواجهها، في المحاضرة التي ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، يوم الثلاثاء، بحضور نخبة من السياسيين والأكاديميين الأردنيين.

     يبدأ البخيت في محاضرته، التي جاءت بعنوان “مآلات الربيع العربي واستحقاقات المرحلة الراهنة”، بطرح تساؤلٍ جوهري: هل كان الربيع العربي حتميّاً؟ ولو لم يقم مواطنٌ تونسي بإحراق نفسه احتجاجاً على الظلم والأوضاع الاجتماعية- الاقتصادية؛ هل كنا سنشهد مثل هذه الثورات، التي أطاحت أعتى الدكتاتوريات، والأنظمة القديمة، وأعادت خلط أوراق المنطقة والعالم؟

    ويجيب على ذلك بالقول ” باعتقادي، أنه حتى لو لم تحدث واقعة البوعزيزي في تونس، فإن المنطقة كانت على موعد مع هذا الزلزال. ولكان هناك بوعزيزي آخر في موقع آخر، يفجر الوضع المتأزم، وربما لسبب آخر. أي، اننا كنا أمام استحقاق الامتلاء الذي لا بد وأن تفيض بعده الأوعيةُ كلها”.

     ثم يطرح رئيس الوزراء الأسبق سؤالاً آخر فيما إذا كان الربيع العربي، كان لحظة عابرة، تجاوزتها الأنظمة العربية، بعد المآلات الكارثية في أكثر من دولة، أم أنه لحظة تحول تاريخية، ليس ممكناً العودة إلى ما قبلها؟

     بعد أن يقرّ بأنّ الجواب يتطلب تدقيقاً أكثر، فإنّه ينبّه إلى أنّ هنالك واقعاً جديداً فرضته الثورة التكنولوجية في العالم العربي يصعب القفز عنه وتجاهله، فـ”أصبحت العائلات الالكترونية في العالم الافتراضي، في بعض النماذج، اقوى وأكثر تأثيراً وفاعلية من البُنى التقليدية، التي تمّ استنزافُها وتكسيرُها، وأُنهِكت، خصوصاً، مع زوال الحلقات الوسيطة، وتراجع دور المنظومات الاجتماعية والهيئات السياسية والثقافية، ومع تضاؤل القدرة على السيطرة والتحكم بتدفق المعلومات إلى الحدود الدنيا، إضافة إلى تنامي التحديات والاختلالات التنموية والاقتصادية”.

     في السياق نفسه يطرح البخيت موضوع تشكّل ما أسماها طبقة وسطى افتراضية بعد أن تراجعت الطبقة الوسطى (وهي الطبقة التي دائماً تقود التغيير)، وانحسر تأثيرُها، في اكثر من بلد عربي. فالطبقة الافتراضية الجديدة، ” أطلقت العنان ووفرت الإمكانات للاحتجاج والمساءلة، وأدخلت أنماطاً استهلاكية ومتطلبات جديدة، تفوق حجم المداخيل والإمكانات، بحيث عاشت فئاتٌ من الشرائح الاجتماعية، بمستوى الطبقة الوسطى ثقافياً أو استهلاكياً، من حيث الاتصال والتفاعل والتمكن من الوسائل التكنولوجيا، من دون مستوى اقتصادي ملائم لهذه المتطلبات. وهو ما لم يكن متاحاً من قبل وبما لا تعترف به الصِيغ التقليدية”.

    وبعد أن يصل إلى نتيجة أساسية مفادها أنّنا – في فترة ما بعد الربيع العربي- أمام مرحلة جديدة، وليست لحظة عابرة، ما يستدعي التفكير والتخطيط لما هو آتٍ، يضع البخيت جملة من النتائج التي يمكن استخلاصها من الربيع العربي، مثل انحسار القوى السياسية التقليدية (القوميين واليساريين والإسلاميين)، وأفول تلك المرحلة والبدء بمرحلة جديدة، لا ينفع معها الفكر السياسي القديم، وحالة الارتداد الغرائزي، وتظهير التناقضات الداخلية، وظهور التطرف المذهبي والتطرف المضاد، بحيث وصلنا إلى ” مرحلة تخضع فيها دول عديدة في منطقتنا إلى حكم الميليشيات والعصابات المسلحة”.

    ومن النتائج التي يستخلصها رئيس الوزراء الأسبق: وهم استنساخ النموذج التركي في الإسلام السياسي، لاختلاف السياقات المحلية والإقليمية والمجتمعية، مع إقراره بتمايز النموذج التونسي عن المشرقي في هذا المجال، لكن ذلك يعود أيضاً لخصوصية التجربة التونسية، كما يرى المحاضر.

     ولا يختلف حال التيارات والقوى الليبرالية عما سبق، وفقاً للبخيت، فالرهان عليها وهم، لأنّها ” لا تمتلك رصيداً جماهيرياً وشعبياً، وتماهت في لحظات معينة مع حركات الإسلام السياسي، وهي معزولة عن المجتمع، بالرغم من الاستثمار الغربي لها خلال العقود الماضية!

      ويمضي البخيت في خلاصاته، ومنها وهم الاعتماد على قوة عالمية كبرى، وتبدّل التحالفات الدولية والإقليمية في المنطقة، وهشاشة مفهوم الأمن القومي العربي، الذي أصابه الوهن والفراغ، وأضحة بعيداً أكثر عن التطبيق الفعلي بعد مرحلة الربيع العربي، فيما سجّل رئيس الوزراء الأسبق تراجع أهمية القضية الفلسطينية في المنطقة، على أجندة المجتمع الدولي.

     وبعد أن يحلّل المتغيرات السابقة ينتهى البخيت إلى أنّه بالرغم من كل ما سبق من مشهد سودادوي إلاّ أن الوقت لم يفت بعد على “ضرورة تظهير مشروع عربي، جامع وواعٍ للتحديات ويستفيد من لغة العصر”.

    هذا المشروع، كما يرى البخيت، يمكن أن نستمده من مشروع النهضة العربية الكبرى، في مئويتها، ” ما زلنا بحاجة لقراءة المشروع والتمسك بمبادئه، وإعادة بناء الذات بما يكفل تحويل التناقضات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، منذ سقوط بغداد، إلى تنوعات تتفاعل وتتكامل، وتعبر عن نفسها ضمن إطار جامع، وفي سياق عملية تنموية على كافة المستويات، وأقصد هنا، بالانحياز التام إلى مشروع الدولة المدنية الديموقراطية”.

   وبخصوص ركائز المشروع يرى المحاضر ” أنّ مصلحة الأمة العربية والإسلامية ومستقبل أجيالها، تتطلب أولاً، وقف توظيف الدين لصالح السياسة. ففي جدليّة العلاقة بين الدين والسياسة؛ تؤكد الشواهد كلها تاريخياً، أن العلاقة هي لصالح السياسة وعلى حساب الدين.. والأفضل، هو التمسّك بخيار الدولة المدنيّة، لحماية الدين نفسه من ألاعيب السياسة”.

***

     ثم يتعمّق المحاضر أكثر في تحليل النتائج المترتبة على التطورات الإقليمية الأخيرة، 

    فعلى صعيد الأزمة السورية؛ يرى أنّ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا شكّلت انعطافة مهمة على صعيد إعادة بناء التحالفات والتموضع في المنطقة، وعلى نحو أكثر وضوحاً فيما يخصُّ الأزمة السورية ” دخلت تركيا مرحلة جديدة، أخذتها، ومن المتوقع أن تأخذها اكثر، باتجاه التحالف مع محور روسيا- إيران، والابتعاد عن الحليف الأمريكي والاتحاد الأوروبي، وبالتالي؛ التخلي عن مواقفها إزاء الأزمة السورية، والاقتراب من دمشق والقاهرة، وهو ما لمسناه ميدانياً وإعلامياً وحتى على مستوى الحراك السياسي والدبلوماسي التركي خلال الفترة الماضي”.

   أمّا على صعيد مكافحة الإرهاب؛ فقد شهدت الأسابيع الماضية انتصارات ميدانية عسكرية في مجابهة التنظيمات الإرهابية وبشكل خاص في سوريا والعراق وليبيا. لكنّ هذه التطورات – وفق البخيت- تدفع إلى سؤال مهم ألا وهو “ما بعد داعش؟”. أي: ” كيف نتعامل مع استحقاق هزيمة تنظيم داعش ميدانيا وعسكرياً، مع بقاء الفكرة والدعوة التي أنتجت هذا الفكر الإجرامي؟ وأعتقد اننا أمام استحقاق مهم، جدير بالقراءة والتخطيط والمجابهة الواعية”. وهنا، ألفت إلى التالي؛

    ويقدّم البخيت إطاراً عاماً مهماً عند الاقتراب من الإجابة على السؤال السابق،

 أولاً –” في تجاربنا السابقة، كانت الهزائم العسكرية للتنظيمات الأصولية تفضي إلى عودة ظهور هذه التنظيمات بأشكال أكثر تطرفاً وإجراماً، منذ الأفغان العرب، إلى القاعدة، إلى تنظيم الزرقاوي في العراق إلى داعش.. ما يعني أن الاكتفاء بالانتصار الميداني وعدم التصدي للمجابهة الفكرية الثقافية التنموية الشاملة، سيتيح عودة التنظيمات بأشكال أكثر عنفاً واستقطاب المزيد من المتطرفين”،

ثانياً- ” هناك أعداد كبيرة من المقاتلين الإرهابيين الذين اصطحبوا معهم عائلاتهم إلى مناطق نفوذ داعش والنصرة، ما يعني عشرات الآلاف من الأطفال والنساء. وهناك مقاتلون إرهابيون تزوجوا وأنجبوا أطفالاً أثناء التحاقهم بالتنظيمات الإجرامية.. ولدينا الآن آلاف من الأطفال الذين نشأوا في ظروف مريضة، من حيث القتل والتشدد والدماء والوعي الإجرامي، ما يعني أننا بحاجة ماسة للتعامل مع هذا الجيل من الأطفال الذين حرموا التعليم والصحة والبيئة الصحية، والذين سيعودون لبلدانهم الأصلية، ومن ضمنها الأردن.. هؤلاء بحاجة إلى العلاج النفسي والتأهيل الصحي والعلمي وإلى إدماجهم بالمجتمع. وهذا يتطلب إعادة هيكلة مؤسسات الدفاع الاجتماعي وحماية الأسرة والهيئات المدنية القادرة على القيام بهذه المهام.”

     وعلى صعيد القضية الفلسطينية؛ يرى البخيت أنّ أهميتها وأولوية الصراع العربي الاسرائيلي تراجعتا من الزاويتين السياسية والموضوعية، ليس بفعل انشغال العرب بالربيع العربي، كما يختزلها البعض، بل بفعل التبدل النوعي الذي طرأ على معادلة هذا الصراع ودخول عناصر جديدة وتراجع اخرى من أهمها:

–      التغيير الجوهري الذي طرأ على نظرية الأمن القومي الاسرائيلي، فالتهديد الذي كانت تمثله الجيوش النظامية كالجيش السوري والعراقي، تحول الى تهديد من نوع آخر، يتمثل بالتنظيمات الأصولية الجديدة، وبقدرات حزب الله الصاروخية.

–      هناك حزب الله على الحدود الاسرائيلية اللبنانية، والتنظيمات السلفية الجهادية على الحدود مع سوريا، وتنظيم داعش الموجود في سينا، وقطاع غزه الذي تحول الى معبر او ساحة صراع بين الاطراف الاقليمية الساعية للعب بمعادلة الأمن المصري وبشكل مباشر كذلك على الأمن الاسرائيلي.

–      دخول روسيا على معادلة الصراع بالمنطقة، التي وجدت فيه اسرائيل فرصة لتعويض الخلل والتراجع الذي اصاب علاقتها بالولايات المتحده، فالامن الاسرائيلي اصبح له الآن بوابتان، وهذا سيغير من معادلة تسوية الصراع العربي الاسرائيلي لاحقاً.

–      لم يعد الصراع العربي – الاسرائيلي هو جوهر الصراع بالمنطقة من الزاوية الاسرائيلية والامريكية والروسية، بل أن هناك ملفات غدت أكثر منه أولوية مثل ملف محاربه الارهاب، والتسوية السياسية بكل من سوريا والعراق، وإعادة صياغة الوضع السياسي بالمنطقه عموماً.

–      انفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، واخذ سياقاً إقليميا أدخله وبشكل مباشر بالصراعات القائمة بين الاطراف الاقليمية، وهناك بعض الفرضيات (بغض النظر عن وجاهتها) تتحدث عن توسيع الرقعة الجغرافية لقطاع غزه باتجاه مصر، في سياق يجعله قادراً على تلبية متطلبات اقامة الدولة الفلسطينية، وبما يحل معضلة اراضي المستوطنات بالضفه الغربيه، وقسم كبير من لاجئي ال 48 . وسواءً نجح سيناريو توسيع مساحة  قطاع غزة أم لم ينجح؛ الا انه لا ينفي أن ملف تسويه الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي اصبحت مصر تحتل فيه موقع الريادة وبدعم عربي ودولي.

   والخلاصة التي ينتهي إليها المحاضر بعد الغوص في الملفات الإقليمية المهمة وتطوراتها هي ” أنّ الحل الشامل لأزمات المنطقة، وعلى طريقة “الدفعة الواحدة” سيأخذ بالضرورة بمصالح الأطراف الأقوى وعلى أساس حسابات دولية واقليمية اوسع بكثير من حسابات ملفات الصراع نفسه، منها على سبيل المثال محاربة الارهاب التي ستكون العنصر الرئيسي بملف الأمن، وترتيب وضع دائم ونهائي للفلسطينيين ولأمن اسرائيل على حساب الاطراف الاخرى”.

***

  ثم في ضوء التطورات والمتغيرات السابقة يطرح البخيت السؤال الجوهري: ما تأثير ذلك على الأردن؟ وما موقعه من كل تلك المتغيرات والتحولات؟..

  في الجواب على السؤال يرى البخيت أنّ الدولة الأردنية تجاوزت بالفعل استحقاقين على مستوى عالٍ من الخطورة، “الأول وهو ما يسمى بالربيع العربي. وأنا أؤكد هنا، كشاهد عيان، أن الأردن كان أحد الأهداف المباشرة لأحداث الربيع العربي. وقد انتصر الأردن والأردنيون بجدارة، وتجاوزنا الخطر إلى برّ الأمان، بفضل مجموعة من العوامل، في مقدمتها امتلاك القيادة الأردنية زمام المبادرة، والشجاعة الأدبية والسياسية التي امتاز بها جلالة الملك عبدالله الثاني، واستثماره تلك اللحظة التاريخية لتسريع مشروعه للإصلاح والذي بدأ به منذ توليه سلطاته الدستورية، وكذلك مستوى الوعي الفريد الذي تحلى به الأردنيون وهم يعتصمون بدولتهم الوطنية، وكذلك موقف القوى السياسية الوطنية في المعارضة، الواعي والمتمسك بخيار الإصلاح والرافض للفوضى. بالإضافة طبعاً، إلى خصوصية الأردن وتركيبته الاجتماعية الثقافية، وعدم وجود تاريخ دموي في العلاقة بين الشعب والنظام.

   أما الاستحقاق الثاني، فكان وفقاً للبخيت ” الأزمة السورية، وقد نجح الأردن أيضاً بالصمود ورفض التورط في الأزمة السورية، والحفاظ على أمنه ومقدراته، والتعامل مع تبعات الأزمة مع تخلي المجتمع الدولي والعربي عن دوره، وأقصد هنا بالذات مسألة اللاجئين السوريين..،  وقد صمدنا، وتجاوزنا الخطر الأكبر المتمثل بأن نكون طرفاً في صراعٍ دامٍ. وكان الفضل في ذلك، لقدرة القيادة الأردنية على القراءة الدقيقة والشخيص السليم لحقيقة الصراع ولأمد الأزمة، في وقت كان يعتقد فيه كثيرون أنها مسألة أشهر قليلة، ومن ثم إعادة ترتيب أوراق الإقليم”.

   ويصل رئيس الوزراء الأسبق إلى أنّ هذين المنجزين، يعبران عن قوة الدولة الأردنية واستقلالية قرارها. و”في الوقت الذي يعتقد به البعض أننا تخلينا عن “لعب الدور الإقليمي”، ثبت أن القصة ليست مجرد لعب دور، وإنما هي تحديد أولويات”.

   ويؤكّد بخيت أنّ البوصلة الأردنية تشير بشكل دائم خلال الست سنوات الماضية نحو القضية الفلسطينية، وقطع المجال على محاولات الحكومة اليمينية الإسرائيلية لاستغفال المجتمع الدولي في ظل انشغاله بالملفات الإقليمية المتفجرة، لصالح فرض حقائق على الأرض، على حساب الحقوق الفلسطينية والمصالح الأردنية.. وقد حقق الأردن نجاحات دبلوماسية وسياسية أدت إلى لجم الجنوح الإسرائيلي.

     أمّا عن الدور الأردني، وموقعه من التفاعلات الإقليمية، فيؤكّد رئيس الوزراء الأسبق أنّ ” معيارنا الأول يجب أن يكون دائماً هو معيار المصلحة الوطنية الأردنية العليا”.

***

      بعد أن ينتهى الرئيس من ترسيم وتفكيك التحديات الخارجية والميزان الأردني في التعامل معها، ينتقل إلى  التحديات الداخلية التي تواجهنا اليوم، إذ يرى بأنّ الأردن ” تعرَض لضرر كبير واستثنائي بسبب فترة السنوات الست الماضية، ودفع الاقتصاد الأردني ثمناً باهضاً”. أمّا الخطر الثاني فهو بدء تفشي فكر التطرف والدعوات الظلامية في مجتمعنا، “وصرنا نسمع بدعوات وتقسيمات لم نكن نسمع بها من قبل، لأنها غريبة ودخيلة على مجتمعنا وثقافتنا.. وهذا أيضاً، بسبب تطورات الأحداث من حولنا، والتعبئة المذهبية والطائفية، بالذات فيما يخص العراق وسوريا.. وصرنا نسمع امتداد هذه الدعوات المريضة في مجتمعنا وفي وسائل التواصل الاجتماعي.”

    يرى البخيت، في ضوء ذلك، أنّ الأولوية اليوم، هي لمجابهة التطرف، ليس فقط عبر التعامل مع موضوع المناهج، على أهميته الكبرى، فهذه جزئية واحدة، ولكن، بالأساس، مع البيئة التي تنتج التطرف، وذلك من خلال منظومة إعلامية ثقافية تربوية شبابية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار مفهوم العدالة التنموية وضرورة خلق فرص العمل والانتباه للمحافظات وللبؤر الأكثر فقراً..

   في نهاية المحاضرة يطرح رئيس الوزراء الأسبق معالم رؤيته للإصلاح الاقتصادي المطلوب في المرحلة القادمة، الذي يتأسس على أولوية تنمية المحافظات، وتحقيق ثلاثية “الاستقلال المالي، النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية”، وخفض النففقات عبر إلغاء كافة أشكال الدعم للسلع والخدمات مقابل إعادة هيكلة الأجور، تجميد مشروعات البنية التحتية لفترة محددة، إلغاء المؤسسات المستقلة، هيكلة أسعار الكهرباء بمعايير الجغرافيا وحجم الاستهلاك، خفض استهلاك الوقود وتدشين نظام نقل عام فعّال.

    أما على صعيد زيادة الإيرادات فيرى ضرورة إعادة هيكلة الضرائب، واعتماد التصاعدية، ومكافحة التهرب الضريبي، وإلغاء الإعفاءات الضريبية، ورفع الرسوم والعوائد من المشروعات الاستراتيجية