آراء ومقالات

حزيران 17, 2012

معضلة الحوار بين طهران وواشنطن والسيناريوهات المحتملة

د.محجوب الزويري

المقدمة:

بعد ثلاثة عقود من الحرب الكلامية والحديث عن أن “كل الخيارات مطروحة بما في ذلك المواجهة العسكرية” يعود الحديث عن الدبلوماسية، ولكن هذه المرة بشكل أقوى، هذا العمل الدبلوماسي بين طهران وواشنطن ليس جديداَ في مسيرة البلدين بعد قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. وقد جرب البلدان خيار الحوار في أزمتين أخذتا بعداَ دولياَ، الأولى كانت الحرب على أفغانستان عام 2001، وقد اعترف البلدان بحصول مثل هذا التفاوض، لكنه كان محددا فيما سمي بـ الحرب على الإرهاب ومواجهة القاعدة ونشاطاتها. أما المرة الثانية، فكانت متعلقة بأمن العراق، وقد التقى سفيرا البلدين في العراق أربع مرات في بغداد دون أن تؤدي هذه اللقاءات إلى نتيجة.

ما يجمع بين جولات التفاوض أو اللقاءات السياسية بين البلدين المشار لهما هو أن التركيز كان، في الغالب، على مسألة بعينها،وهي، في معظمها، مطلب أميركي،فالحديث إلى إيران حول أمن العراق جاء متلازماَ مع الضجيج الذي أحدثه تقرير بيكر-هاميلتون[1] حول ضرورة أن تتعامل واشنطن مع جيران العراق إذا ما أرادت أن يستقر الأمن فيه ، وكان هناك إشارة واضحة إلى إيران وسوريا. أوفدت واشنطن وليم بيرنز إلى لقاء جمع بين كبير المفاوضين الإيرانيين بشأن الملف النووي سعيد جليلي مع الاتحاد الأوروبي في تموز/ يوليو 2008،[2] ولم ينتج عن ذلك الحضور أي اتصال مباشر، أو على الأقل، لم يتم التصريح بحصول ذلك.

الملفت للانتباه في مسيرة سنوات ما بعد الثورة في العلاقات بين البلدين هو سيطرة البعد ألتصعيدي في المواقف الذي يأتي بسبب مسألة التصور Perception المسبق الذي يحمله كل بلد للأخر، وهي مسألة دفعت إلى سيطرة حالة من انعدام الثقة بين البلدين واتساع الفجوة لدرجة أن الحديث عن الدبلوماسية أصبح أمرا مخيفا لكلا الطرفين سواء للمؤسسات السياسية أم الأمنية لدرجة أنه لم يؤثر تقرير مجلس الاستخبارات الأميركية NIC [3] الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 – وأكد على إيقاف إيران نشاطاتها النووية المتعلقة بالجانب العسكري- في تغيير المزاج العام السياسي في واشنطن تجاه طهران. ويمكن التدليل على حالة الخوف من الدبلوماسية من خلال التذكير بعاملين: الأول يتعلق بالشروط التي يضعها كل طرف لعقد تلك المفاوضات. وهنا يمكن أن نذكر بالشرط الأميركي المتعلق بوقف إيران كل أنشطة التخصيب قبل الحديث معها، وفي المقابل حديث إيران عن ضرورة “تغيير السلوك الأميركي مع إيران ” وإعادة ودائع طهران المحتجزة لدى واشنطن”.

هذه الشروط المسبقة منعت أي تقدم لعقد حوار شامل بين البلدين. والعامل الثاني هو رفع سقف التوقعات المتعلقة بنتائج الانتخابات. ويبدو أن كل طرف يتحدث عن أنه في ظل عدم ضمان حصول تلك النتائج، أو على الأقل، ضمانات بحصول كل طرف على ما يريد فلا داع للحوار، وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى سيطرة حالة الخوف من التفاوض والتي عززها عدم تحقيق انجاز كبير لجولات الحوار التي عقدها الطرفان، أو شعور كل طرف انه لم يحقق ما أراد بسبب تصلب موقف الأخر، وبالتالي سيطرة شعور باليأس من عدم توافر فرصة لنجاح الدبلوماسية.

إن ما يسجل على جولات التفاوض السابقة هي أنها كانت ثنائية أو في ظل وجود طرف ثالث لا يتمتع بحضور سياسي يمكنه أن يؤدي دوراَ في تفكيك عقد التفاوض، وهذا ربما يقودنا للتساؤل حول أهمية الطرف الثالث في التفاوض بين واشنطن وطهران¿

تنطلق هذه الورقة من فرضية مفادها أن كلا الطرفين من خلال التصريحات الصادرة قد تجاوزاَ ولو بشكل مؤقت ومحدود، عقدة التصور Perception المسبق والسلبي تجاه الآخر، وأنهما جادان في الدخول في مسار دبلوماسي لحل الخلافات. بناءَ على ذلك فإن الدراسة ستذكر في القسم الأول بمواطن الخلاف بين البلدين، ثم تنتقل في القسم الثاني لتحلل مسألة توقيت بدء الحوار، وهل يجب التأجيل إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية في حزيران/ يونيو 2009¿ أما القسم الثالث فسيهتم بتحليل ماهية الدولة التي يمكن أن تؤدي دور الوسيط في هذا المسار الدبلوماسي