لاله خليلزاده – المستشارة القيادية في مركز تحليل العلاقات الدولية في أذربيجان
في الفترة من 26 إلى 27 مايو 2025، استضافت جمهورية أذربيجان بنجاح حدثًا دوليًا رفيع المستوى. وبمبادرة من فخامة الرئيس إلهام علييف، عُقد في العاصمة باكو مؤتمر دولي بعنوان: “الإسلاموفوبيا: كشف التحيز وتفكيك الوصمات”.وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لتأسيس اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبي
نُظِّم هذا المؤتمربالتعاون بين مركز تحليل العلاقات الدولية ومركز باكو الدولي للتعددية الثقافية. وقد أصبح هذا المؤتمر، الذي يُعقد بشكل منتظم في بلادنا، منصة هامة تهدف إلى تسليط الضوء على مشكلة الإسلاموفوبيا التي تؤرق الضمير الإنساني العالمي. ولا تقتصر أهمية هذا المؤتمر على مناقشة التهديدات المتزايدة للإسلاموفوبيا، بل تمتد إلى التعمق في جذور هذه الظاهرة، من خلال فهم أُسسها التاريخية والثقافية، وتفكيك البناء الإيديولوجي الذي يغذيها. فالإسلاموفوبيا ليست مجرد كراهية أو خوف موجه ضد المسلمين، بل تمثل بنية فكرية تُعيد تشكيل نظرة الغرب إلى الشرق، وتنتج عنها تصورات مشوهة ومغلوطة عن المسلمين
ومن المؤسف أن نُقِرَّ بأن الإسلاموفوبيا قد تحولت في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة عالمية ممنهجة ومتنامية النطاق فلم تَعُد هذه النزعة السلبية مقتصرة على دول بعينها، بل باتت تُلاحظ في شتى أرجاء العالم. إن موجات العداء للإسلام، والكراهية المتزايدة ضد المسلمين، والتوجهات المناه للإسلام، آخذة في الانتشار على نحو متسارع وبأسلوب مقلق يزداد عمقًا وخطورةً
أشارت السيدة لاله خليلزادا، المستشارة القيادية في مركز تحليل العلاقات الدولية وعضو اللجنة التنظيمية والأكاديمية للمؤتمر، إلى أن مشاركتها في هذا المسار لا تُمثّل مجرد واجب ظيفي بالنسبة لها بل تُعدّ فرصة حقيقية لخدمة القيم والمبادئ التي تؤمن بها على المستوى الشخصي
حتى الآن، عبّر أفراد من مختلف الفئات العمرية عن آرائهم بشأن الإسلاموفوبيا، وشاركوا في إدانتها من خلال كلماتهم ومداخلاتهم. لكن يجب ألا ننسى أن دور الشباب في هذا السياق يحمل طابعًا خاصًا وأهمية بالغة. فالشباب يُمثلون الجيل القادم الذي يُسهم في تشكيل قيم المجتمع واتجاهاته تجاه القضايا الأخلاقية والاجتماعية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي.وبفضل التعليم والتكنولوجيا، يمتلكون وصولًا أوسع إلى مصادر المعلومات، كما أن لديهم قدرة أكبر على بناء جسور التواصل مع مختلف الثقافات والأديان والشعوب
خلال مداخلتي في الجلسة الحوارية تحت عنوان “بناء الحوار بين الأديان والثقافات من خلال مبادرات الشباب أوضحتُ أن هذا العنوان لا يقتصر على كونه موضوعًا أكاديميًا فحسب، بل يُمثل دعوة حقيقية تُجسد الدور الحيوي الذي يضطلع به الشباب في تشكيل المستقبل، والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم في هذا السياق
بدايةً، يمكنني أن أشارك تجربتي الشخصية، إذ كثيرًا ما واجهت، كما هو حال العديد من المسلمين، أسئلة من أصدقائي ومعارفي من غير المسلمين، من قبيل: “ماذا يعني لك شهر رمضان؟” و”بماذا تشعر أثناء أداء الصلاة؟” وقد سعيت دائمًا إلى الإجابة عن هذه الأسئلة بصبر وصدق، وبروح من التفهم والانفتاح، إيمانًا مني بأهمية بناء الجسور بين الأديان والثقافات من خلال الحوار الصادق
آخر مرة طُرحت عليّ مثل هذه الأسئلة كانت في أكتوبر من العام الماضي، أثناء مشاركتي في برنامج تبادل تدريبي استمر لمدة شهر في مدينة موسكو، وشارك فيه شباب من أكثر من عشر دول. هناك، سألني زميلتي من مولدوفا نفس السؤال, وبعد أن أجبتها، قالت لي بصراحة إن عباداتي — وخاصة أدائي للصلاة — جعلتها تفكر بعمق في أهمية الانضباط والنظام في حياتها اليومية، وأن صيامي جعلها، ولأول مرة، تعيد النظر في علاقتها مع ذاتها وشهواتها ,وفي تلك اللحظة، أدركتُ أن التواصل الحقيقي لا يكمن فقط في الشرح والتوضيح بل في العيش المشترك للتجربة ذاتها، حيث تتشكل القناعات وتتغير وجهات النظر من خلال التفاعل الإنساني الصادق
المسألة الثانية التي شاركتها تتعلق بالتجارب التي مررت بها مع شباب غير مسلمين في إطار المؤتمر، حيث واجهت لديهم تصورات خاطئة تجاه الإسلام والمسلمين. قام زميلتي من بيلاروسيا بطرح أسئلة تتعلق بالدين الإسلامي. كان من بين أسئلتها: إذا كان الإسلام دين السلام والأمان، فلماذا يمارس بعض المسلمون أعمال الإرهاب؟ كيف يمكن لمسلم من دين السلام أن يقتل نفسه وغيره من المسلمين وهو يقول “الله أكبر”؟ هل هذا ما يأمر به الإسلام؟ كان هذا السؤال موجهًا إلي وقد أجبتُ بأنها في الواقع ليسوا مسلمين، بل يقومون بتنفيذ عمليات انتحارية متخفين بالدين الإسلامي، فهم ليسوا مسلمين بل إرهابيون
إذا تحدثنا عن تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، فقد تناولت في النقطة الثالثة قضية حساسة ليست لي فقط، بل لجميع المسلمين أيضًا. وأعمل منذ ثماني سنوات في قسم اللغة العربية في ويكيبيديا، حيث أكتب مقالات باللغة العربية عن الثقافة والتاريخ والشخصيات البارزة لأذربيجان. ونظرًا لأن غالبية العاملين في ويكيبيديا من الشباب، فإننا نستفيد من بعضنا البعض سواء عبر الإنترنت أو بشكل مباشر، ونتعلم معلومات جديدة لم نكن نعرفها. ومن بين الحوادث التي واجهتها كانت على هذه المنصة
خلال حرب قراباغ الثانية، كتبت مقالاً باللغة العربية بعنوان “أعمال إعادة الإعمار في قراباغ”، حيث أشرت إلى حقيقة استخدام مسجدي أغدام وشوشا كحظائر للخنازيرخلال الاحتلال الأرمني. وقد قدم أحد مديري ويكيبيديا العربية، وهو الأرمني السوري نانور كارابيديان، شكوى من أجل حذف هذه المعلومة. ووفقًا لقواعد ويكيبيديا، تم فتح صفحة نقاش للنظر في حذف المقال أو الإبقاء عليه. وبعد نقاش استمر حوالي أسبوعين، تمكنت من الحفاظ على المقال كما هو. وبالطبع، من القواعد الأساسية لويكيبيديا هو ضرورة وضع مصادر لكل معلومة يتم الاستشهاد بها. لذلك، استندت إلى مشاهدات تم نشرها في معظم المواقع الإخبارية العالمية والقنوات التلفزيونية المرموقة كمصادر. وفي الوقت ذاته، قمت بإرسال هذه المصادر مباشرة إلى بعض المستخدمين الذين وقفوا إلى جانب المستخدم الأرمني، سائلاً إياهم كيف يمكنهم التغاضي عن هذه الأحداث التي حدثت في بيت الله. وإذا قمتم الآن بزيارة مقال “إعادة إعمار قره باغ” باللغة العربية على ويكيبيديا، ستلاحظون بقاء هذه العبارات كما هي
كل هذه الحقائق تُبيّن أن تمكين الشباب وإشراكهم في الحوار بين الأديان والثقافات يلعب دوراً محورياً في تقديم ردود فعّالة ضد الاتجاهات الخطيرة مثل الإسلاموفوبي يجب أن ننظر إلى الشباب ليس فقط كقادة المستقبل، بل أيضاً كبُنّاة حوار اليوم، ومدافعين عن التنوع، وناقلين للحقيقة وعندما نتيح لهم فرصة الاستماع إليهم، فإننا لا نُسكت الكراهية فحسب، بل نزيد من الفهم ونُبرز القيم الإنسانية المشتركة.
وفي الختام، أود أن أؤكد أنه مهما اختلفنا في الجغرافيا والثقافة، فإننا نناضل من أجل هدف واحد مشترك: كبح الكراهية، وتعزيز الإنسانية، وتقوية التعايش المشترك