آراء ومقالات

د. فاطمة الزبيدي

أطلقت الحكومة الأردنية الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2025–2033) كمبادرة شاملة تهدف إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية وتعزيز قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيف مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية. تمثل هذه الاستراتيجية نقلة نوعية من السياسات التقليدية التي ركزت على تقديم المساعدات، إلى نموذج أكثر تكاملًا يرتكز على التمكين، والاستدامة، والصمود المجتمعي. يبرز هذا التحول ضمن سياق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى الأردن إلى تنفيذها، بالتوازي مع التحديات الإقليمية والداخلية التي تؤثر على أمن واستقرار الفئات الهشة.

أهداف الاستراتيجية

تسعى الاستراتيجية إلى تحقيق جملة من الأهداف العامة التي تتقاطع مع مفاهيم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. من أبرز هذه الأهداف: تعزيز شمولية واستدامة نظام الحماية الاجتماعية، رفع كفاءة وفعالية الإنفاق على برامج الدعم، وتحقيق التكامل بين الجهات المعنية من خلال ربط إلكتروني متكامل. كما تهدف إلى تمكين الأفراد اقتصاديًا من خلال دمجهم في سوق العمل وتوفير بيئة مناسبة للتدريب والتأهيل، إلى جانب بناء قدرة النظام على الاستجابة السريعة للأزمات والصدمات، لا سيما في ظل ما يواجهه المجتمع الأردني من أزمات اقتصادية متكررة.

الركائز الأساسية للاستراتيجية الوطنية

ترتكز الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية تشكل الهيكل العام للتدخلات والسياسات الاجتماعية.

المحور الأول، “كرامة”، يركّز على تطوير نظام المساعدات الاجتماعية من خلال تحسين آليات الاستهداف، وتوسيع نطاق البرامج لتشمل مساعدات تكاملية وبرامج تغذية مدرسية موسعة. يهدف هذا المحور إلى تعزيز كفاءة الإنفاق وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.

أما المحور الثاني، “تمكين”، فيتعلق بالخدمات الاجتماعية، ويشمل مأسسة العمل الاجتماعي عبر اعتماد تعليمات ناظمة، وإنشاء منصة إلكترونية للعاملين الاجتماعيين، وتطوير خدمات تعليمية وصحية دامجة. كما يتضمن تأسيس سجل وطني رقمي للمنتفعين، ما يسهم في تحسين التنسيق وكفاءة تقديم الخدمات.

المحور الثالث، “فرصة”، يعالج قضايا الضمان الاجتماعي وسوق العمل من خلال توفير حماية شاملة للعاملين بأنماط مرنة وجزئية، وتحسين بيئة العمل في مختلف القطاعات. يسعى هذا المحور إلى ردم الفجوة بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، وتعزيز الإنتاجية.

وأخيرًا، المحور الرابع، “صمود”، يتناول قدرة نظام الحماية الاجتماعية على الاستجابة للأزمات من خلال تأسيس بنية تحتية مرنة، وتطوير نظام إنذار مبكر اجتماعي، وإنشاء واجهة للتمويل الطارئ ضمن صندوق الحماية والرعاية. يعكس هذا المحور توجهًا نحو بناء منظومة وقائية واستباقية.

نقاط القوة

تتسم الاستراتيجية بعدة نقاط قوة، من بينها شمولية الرؤية وتكامل المحاور، والاعتماد على نهج تشاركي شمل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. كما أن التوجه نحو التحول الرقمي وربط الجهات ذات العلاقة إلكترونيًا يمثل تطورًا مهمًا في تعزيز الشفافية والكفاءة.

التحديات

رغم طموح الاستراتيجية، تواجه عدة تحديات أبرزها محدودية الموارد المالية، وضعف البنية التحتية التقنية في بعض المناطق، والحاجة إلى تدريب الكوادر البشرية المعنية بتنفيذ الاستراتيجية. كما أن استدامة التمويل وإمكانية الاستجابة السريعة للأزمات تتطلب تنسيقًا عالي المستوى والتزامًا سياسيًا مستمرًا.

آفاق التنفيذ ومتطلبات النجاح

تمثل الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2025–2033) خطوة مفصلية في مسار التحول الاجتماعي في الأردن، حيث وضعت أسسًا شاملة لبناء منظومة حماية تتسم بالشمول، والتكامل، والاستدامة. ومع ذلك، فإن تحقيق أهدافها الطموحة لا يرتبط فقط بصياغة السياسات والخطط، بل يتطلب تهيئة بيئة تنفيذية فعالة ترتكز على جملة من العوامل الأساسية التي تُعد بمثابة محددات للنجاح أو التحديات المحتملة.

أول هذه المحددات هو القدرة التنفيذية للمؤسسات المعنية، إذ يتوجب أن تكون هذه الجهات مؤهلة فنيًا وإداريًا، وقادرة على التنسيق البيني والعمل ضمن أطر تشاركية واضحة. يتطلب ذلك مراجعة دورية للهياكل التنظيمية، وتدريب الكوادر البشرية، وتوفير أنظمة إلكترونية حديثة تضمن التكامل والسرعة في تبادل البيانات.

العامل الثاني يتمثل في توافر الموارد المالية والبشرية، إذ إن الاستراتيجية تتضمن برامج متشعبة ومتعددة المستفيدين، مما يستلزم تمويلاً مستدامًا لا يعتمد فقط على المخصصات الحكومية، بل يشمل أيضًا مساهمات من الشركاء الدوليين، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص. كما يجب تطوير آليات تمويل مبتكرة مثل صناديق الحماية المجتمعية، والتمويل القائم على النتائج.

أما العامل الثالث فيتعلق بـ نظم المتابعة والتقييم، والتي يجب أن تكون دقيقة وشفافة ومبنية على مؤشرات أداء واضحة. فالتقييم الدوري لمستوى التقدم في تنفيذ الاستراتيجية يسمح برصد التحديات فورًا، وتعديل السياسات بشكل مرن واستباقي، مما يحد من التراجع أو الانحراف عن المسارات المرسومة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز المراقبة المجتمعية يمثل حجر الأساس في إنجاح الاستراتيجية، إذ يساهم إشراك المواطنين في الرقابة على الخدمات المقدمة في رفع مستوى الشفافية والمساءلة، ويعزز الثقة بين الدولة والمجتمع. ويستلزم ذلك إطلاق منصات تفاعلية رقمية وتأسيس آليات للشكاوى والتغذية الراجعة.

كما أن رفع الوعي المجتمعي بأهداف الاستراتيجية ومكوناتها يعد من الضرورات، لأن وعي الأفراد بحقوقهم الاجتماعية، وخدماتهم المتاحة، يعزز من معدلات الاستفادة، ويقلل من مظاهر الإقصاء أو التهميش. وهنا يأتي دور الإعلام التوعوي، والمناهج التعليمية، والمبادرات المجتمعية في الترويج للمفاهيم الأساسية للحماية الاجتماعية.

وأخيرًا، فإن الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني يجب أن تكون حقيقية واستراتيجية، لا شكلية أو موسمية. إذ تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورًا رئيسيًا في الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة، كما يمتلك القطاع الخاص إمكانيات لدعم برامج التمكين والتشغيل من خلال المسؤولية المجتمعية والتدريب والتوظيف.

بناءً عليه، فإن تحقيق رؤية الاستراتيجية المتمثلة في “مجتمع أردني كريم، ممكن، ومزدهر”، يتطلب أكثر من مجرد إرادة سياسية؛ بل يحتاج إلى التزام وطني جماعي، وتفعيل منظومة عمل متعددة الأطراف، وتطوير دائم لقدرات الدولة والمجتمع معًا.